22 ديسمبر، 2024 9:20 م

أللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!

أللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!

هذا الدعاء إعتدت على سماعه منذ طفولتي , ولا يزال يتردد في خطب وأحاديث القائلين بالدين , ولا أدري كيف إستيقظت من تعوّدي على سماعه , وتنبهت إلى بلائه ومعطياته السلبية المتنامية المؤثرة في واقع حياتنا.
المصيبة كلمة سلبية ولها نتائجها الوخيمة وهي أنواع ودرجات , وتكرار هذا الدعاء في خطب الجمعة وعقب كل صلاة , ليزرع في النفوس روحا سلبية , ويجعل إقران المصيبة بالدين حالة متواصلة ومؤثرة في سلوك الناس.
فنحن تعوّدنا على إقران المصيبة بالدين , ونكرر دعاءنا لربنا أن لا يجعل ديننا مصيبة علينا , وكأن الأمر واقع ولا خلاص منه , إلا بأن نستعين بربنا ليقينا من أمر محتوم لا نمتلك القدرة على رده أو منعه.
ومن المعروف أن الكلمات السلبية تحث في الأدمغة تفاعلات سلبية , وبتكرارها تتقوى وتتعزز وتتسبب بصناعة الحالات المتوافقة معها , والمتفاعلة مع منطلقاتها النفسية والإنفعالية المحثوثة في النفوس , وهذه السلبية تستحضر ما يساهم في تأكيدها وتناميها.
فهل توجد مصيبة أعظم مما يعيشه المسلمون في أكثر من بلد عربي , حيث تحوّل الدين إلى وسيلة لتدمير المواطنين , وتشريدهم والنيل مما يمت بصلة إليهم , وفقا لمناهج طائفية وتفاعلات فئوية بغيضة , تجرد المواطن من مواطنته , وتنكر عليه حقوقه وتلغي إنسانيته , وتمنع عنه أبسط حقوق ومقومات الحياة الحرة الكريمة.
ولا نزال نسمع في الخطب دعوات ” أللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا”!!
إن المصيبة الحقيقية والجوهرية في رؤوسنا ونفوسنا التي أصيبت بأمية قرآنية ولغوية , وتكرّست فينا أمّارات السوء والبغضاء والكراهية والإنتقام من بعضنا البعض , ولا مصيبة في الدين , وإنما في الذين يدّعون الدين وينتمون للدين وهم يجهلون , ويمعنون بالجهالة , ويتبعون المرائين والدجالين والمتاجرين بالدين , والذين يسخّرونهم لتحقيق رغباتهم الشخصية , وتأكيد أهواءهم وتطلعاتهم الدونية , وذلك بإسم الدين.
فالدين نعمة ورحمة , وعلينا أن نطهّر نفوسنا , ونشذّب رؤوسنا مما تكدس فيها , وإستنقع من الأقياح والمتواليات العدوانية المعززة بالممارسات الإنفعالية , الكفيلة بتأجيج المشاعر والعواطف , والقبض على النفوس والرؤوس , وتحويل أصحابها إلى قطيع في مجازر الويلات والتداعيات الملونة بالدين.
فلو عرفنا ديننا وتنورنا بدرر الأفكار القرآنية , لتيسرت أمورنا وإزدهرت أيامنا , وإرتقينا برؤوسنا إلى آفاق عصرنا ومدارات كينونتتنا الحضارية الساطعة.
فلنتحرر من مصائب ما فينا , ولا نتوهم بأن المصيبة في ديننا , وكأننا نعفي أنفسنا من المسؤولية , فنريح ضمائرنا , وما نحن إلا من صناع المصائب ورواد التداعيات والنكبات , التي نستلطف مردوداتها وآلياتها الإحتفالية والتعبيرية , فنحن الذين لا نعرف العيش إلا في مستنقعات المصائب , ونسأل ربنا غير ما نريد , وذلك هو نفاقنا المبين , وكذبنا المهين!!