18 ديسمبر، 2024 8:55 م

كنت أحسب أن ألف ليلة وليلة حكاية خاصة بنا , فوجدت هذا الرقم في العديد من تراث وثقافات الأمم الأخرى , وكأنه حالة متواصلة ما بين المجتمعات , ويبدو أن له دوافع دفينة وفاعلة في الأعماق النفسية , وأنه يرضي حاجات لا واعية لا يمكننا الوصول إلى جوهرها لكننا نرضيها ونرقص بنشوةٍ على إيقاع ألفٍ وواحد.
وعندما نقرأ السلوك المتصل بالكرسي , يبدو لنا أن لكل كرسي فاعل وقاهر هناك ألف إبليس مكابر ومخادع ومراوغ ومتاجر بالقيم والمعايير والمثل والمعتقدات , ويوظف أنبل ما في المجتمع للقيام بأرذل الأفعال والوصول إلى أقبح النتائج والخيارات.

فأباليس الكراسي يتكاثرون بسرعة أميبية خارقة , ويمتلكون طاقات فايروسية معدية شديدة التأثير والفعالية , ولهذا فأن إنفلونزا الأباليس الكرسوية مرض متوطن وساري على مدى العقود , ولا يخلو يوم واحد من تأثيراته السلبية التخريبية المتنوعة الغايات والأهداف.
وكأي مرض متوطن فأنه يساهم في بناء ثقافة وسلوك مرتبط به لكي يتحقق البقاء والتعايش معه , لأنه صار مزمنا ومقيما ومستعصيا لا يمكن الشفاء منه , أو علاجه , لتفوقه في مقاومته للمضادات الحيوية والعلاجات المتنوعة على عصيات كوخ الجديدة الفتاكة التي إذا تمكنت من البشر قضت عليه حتما.

وهذه الأباليس ليست ظاهرة جديدة , بل أنها معروفة منذ قرون عديدة ومتواكبة , وبسبب التكرار المتواصل لهذه الظاهرة فأنها تعمقت وأنتجت سلوكا متفقا معها ويؤكدها.
وخبرها عدد من الذين أمسكوا بالحكم على مرّ العصور , ومن الذين خبروا هذه المعضلة أشخاص أشداء استثمروها لصالح تحقيق رغباتهم الفردية , ونسميهم طغاة أو عتاة أو مستبدون , لكنهم تمكنوا من تغذية حاجات الأبالسة, وتيقنوا أن لكل كرسي ألف إبليس , ومن الحزم والحلم أن يتم تلبية حاجات الأباليس لكي يزداد الكرسي توهجا وقوة وقدرة على الفتك والقرار.
وفي بداية القرن العشرين أدرك الإنكليز أن لا بد من رعاية الأبالسة حتى يتم إمتلاك البلاد , ولكي يعرفونهم , كان لا بد من الكرسي , وعندما تبين أن الكرسي الذي صنعوه لا يجتذب العدد الكافي منهم , تم الإقرار بالثورات أو الإنقلابات وبالأحزاب والحركات , لأنها ذات شحنات عاطفية وطاقات إنفعالية عالية تجذب أعدادا غفيرة منهم.

وهكذا تأكد السلوك ونمى وبرزت كراسي عتيدة عامرة بالقهر والظلم والجبروت , وحولها ما لا يحصى من الذين يتلوّنون وفقا لألوان الزمان وحاجات المكان , وصار عمر كل كرسي متناسبا مع عدد الأبالسة الحافين به.

ومضت حالة التفاعل الإبليسي مع الكرسي حتى تم تغيير السلوك وإقرار الذي جرى , فتغير كل إبليس وصار يعبر عن حالة أخرى تسمح له بإطلاق أقصى مافيه من الشرور والسوء , فحصل الذي حصل من الخراب والدمار الحضاري والإجتماعي الشامل.

ومن أفظع المستجدات أن الأباليس قد تعممت وتمذهبت وإدّعت الدين , وراحت تتحرك وفقا لإرادة خفية تسعى إلى وضعها في طاحونة الهلاك المريح.
وبإتخاذ الأبالسة للدين قناعا ووسيلة لتحقيق الأهداف الشرسة السيئة , فأن التداعيات الإجتماعية والحضارية أخذت تتنامى بسرعة مرعبة.

لإن إجتماع الكرسي والعمامة من أخطر الحالات التي تواجه المجتمعات البشرية , فهي تعني دخولها في عصر الظلام الدامس المرعب المخيف , كالذي عاشته أوربا في تاريخها الدموي المظلم , عندما جلست الكنائس فوق الكراسي وإرتكبت أبشع الجرائم وما لا يمكن تصوره من الأفعال الشنيعة وهي توزع صكوك الغفران.
ومثل ذلك يدور في واقع تشمر فيه الأباليس عن سواعدها , فتلبس عمائمها وتطلق لحاها , من أجل أن يمتلك الكرسي قدرات التعبير عن ظلاميتها وإمعانها في التدحرج إلى حيث يًراد لها , لكي يموت الوطن ويحترق الدين لتعبيرها العملي عن جهلها وأميتها الفائقة بالدين.

أباليسٌ بأحضان الكراسي كما فعلت توافينا المآسي

* في اللغة إبليس: “أَبْلَسَ من رحمة اللَّه أَي يَئِسَ ونَدِمَ، ومنه سمي إبليس وكان اسمه عزازيلَ.
وفي التنزيل العزيز: يومئذ يُبْلِسُ المجرمون. وقيل: إِن إبليس سمي بهذا الاسم لأَنه لما أُويِسَ من رحمة اللَّه أَبْلَسَ يأَساً. وإبليس, لعنة اللَّه: مشتق منه لأَنه أُبْلِسَ من رحمة اللَّه أَي أُويس.
والإِبْلاسُ: الحَيْرة؛ ومنه الحديث: أَلم تر الجِنَّ وإِبلاسَها أَي تَحَيُّرَها ودَهَشَها. وإبليس تعبير عن الشر والخداع والتضليل وتحقيق رغبات النفس الأمارة بالسوء والفحشاء والفساد.