23 ديسمبر، 2024 8:14 ص

ألعراقيون في ألسماء؛ وعيونهم على ألأرض,,

ألعراقيون في ألسماء؛ وعيونهم على ألأرض,,

عشاقٌ للموت نحّن, عطرُنا ألبارود, وإزارنا أكفاننا, مجنونين, هائمين في وطنٍ تشابكت أضلاعنا؛ من ضيقِ بلواه, أطفالٌ لنّا, أتعبَهم ألحرمان, فلا خير ينعمونَ به, ولا فرح يدوم, ولا وقع خطوات, راكضات, متسارعات, في (درابين) ألمحلة, ولا قهقهات وضحكات يرتدُ صدّاها بين ألأزقة.

كثيراً ما يأخذني ألحنين لطفولتي, وبألضبط لأيام ألثمانينيات, من ألقرن ألماضي, وكيف كنا نتزاحم, مَن مِنا يسبقُ ألآخر, ليّحجزَ ألباحة ألأمامية, لباب ألدار, لتكون ساحة لعبٍ, لا يملكها غيرنا؛ فألبنات يلعبنَّ (ألتوكي), وألأولاد يلعبون (ألدعبل), وأسوأ ألعابنا كانت؛ ألسّجان وألحرامي, وتعيسُ ألحظ هو من يكون سهمهُ بألأقتراع ألحرامي.

أولادي أليوم لا يعرفون (ألتوكي), و (ألدعبل), و (ألختيلان), وصرخاتُ ألإيذان بألأنطلاق (حلاااااال), ولا تلك الألعاب, ألتي سرعان ما أصبحت من ألتراث, في وقت تسارعت فيه ألأحداث, وألمؤثرات ألخارجية, وألداخلية, للأُسرِ في ألعراق, فأليوم كل ألعابهم هي؛ قتالٌ, ومعاركٌ, ومجرمين أشرار, وطيبينَ أخيار, ورشاشاتٍ وهمرات, وجيش عراقي وإرهاب ودواعش, ولعلهم لا يفقهون مغزى تلك ألأسماء وفحواها, إلا ما تأثرت به نفوسهم أو ما عقلتهُ عقولهم ألبسيطة وليس ألصغيرة, فلقد تعودوا ألبلاء صِغاراً, وأستأنسوا ألموت, بعدما ألفناهُ نحنُ أمامهم, فتراهم يستعجلون ألوصول إلى حلّمهم بالجنة, عند ربٍ رحيمٍ, رؤوفٍ بطفولتهم.

أمي؛ هل في ألجنةِ ألعابٌ, تفاحٌ, وموزٌ, ورمان؟! سؤال بريء كان يشغل بالنا جميعاً, نعم حبيبي؛ في ألجنة كل ما تحب أنت وتشتهي, وكل ما تتمناه فيها مجاب, ويأتيك في الحال, لأن ربّنا يحبك, ولا يردُ لكَ طلب, وأين الجنة تلك؟! فلقد ملَّ طفلي من كم كلمات ألتشويق, في وصف تلك الجنة, هي فوق؛ في ألسماءِ عاليةٌ جداً يا طفلي, سأصعد للسطح إذاً وأذهب للجنة!, لا ألجنة أبعد من ألسطح, وأبعد من ألطائرة, وأبعد من كل ذلك, وقبل أن يسألني, عن كيفية ألوصول إليها, سأجيبه لأغلق باب ألأسئلة هذا, فأقرب طريق للجنة, هو ألأستشهاد دفاعاً عن ألوطن.

إلتفت إلى شاشة ألتلفاز, وإذا بصورِ أهازيج, لأبطال ألحشد ألشعبي, وهم يرقصون ببنادقهم, ولقد زيّن صدّورَهم أشرطةَ ألرّصاص, أمي؛ هل هم ذاهبون إلى ألجنة؟ لا يا ولدي! بل ألجنة هي من ستأتي إليهم, لأنهم كُثرٌ, وتركوا خلفهم أطفالٌ, تحلمُ بملابسٍ جديدةٍ, ولقمةٍ لذيذة, وخَرجيةٍ كبيرة, ليشتروا بها كل ألألعاب, وتركوا زوجاتٍ, لم يتعودنَّ ألفرق بعد, تركوا أُمهاتٍ لازلنَّ يتمتمن بصوتٍ خافتٍ (دللول يلولد يبني دللول), وما إن كبّر ألولد, حتى ذهب مُهرولاً إلى طريقِ ألجنةِ وألأستشهاد.

قدرنا أن نربي أولادنا لمشاريع ألأستشهاد, فثورة (ألحسين عليه السلام), ثورة ولودٌ, لا ينتهي مِدادُها من دمائنا, حتى قيام ألساعة, وظهور قائمنا, مهدينا, ومنقذنا, عليه منا السلام مابقي ألليل وألنهار, وإذا ما ذهبنا أليوم للموت مهرولين, ونحن نبّررُ لأطفالنا أسباب ألذهاب, وأهداف قضيتنا, فإننا نُعد جيلاً, يشتاقُ أحضان ألموت, ويشتهي ريحُ ألشهادةِ, لأنها؛ وإن لم تكن شهادةٌ لمبدأٍ, وقضيةٍ, فهي شوقٌ لأبٍ شهيدٍ, ذهبَ للجنةِ مسرعاً وفارقنا.

فهنيئاً يقولها طفلهُ هنيئاً لك ألموز, والتفاح, وحور ألعين, وفراش من حرير, فلقد فُزت بألجنة, ووصلتَ إليها قبلي, سأُباهي بك أصدقائي, فأبي إشترى لنا بيتاً في ألجنة, وسيأتي ليأخذنا في ألقريب, وسنترك بيوت ألصفيح, وستنتهي أيام ألعوز وألحرمان, فمن منكم له مثل أبي؟ سابقَ ألموت فسَبِقهُ وإشتهى ألجنة ونالها؟ من منكم له في ألجنةِ قلبٌ يهواه, ويشتاقُ إليه, ويَفخرُ بطفلهِ, وهو رافعٌ شارةَ ألنصرِ على نعشهِ, من منكم؛ لهُ أبٌ في ألسّماء, وعيناه على ألأرض.