23 ديسمبر، 2024 2:35 م

من مقدمة ألمترجم:
شعرت بفراغ ألمكتبة العربية من مثل هذه الدراسة الشمولية في تاريخ الافكار والمعتقدات الدينية كما تخيلت مدى الفائدة من نقل هذا الكتاب ليطلع ألقاريء العربي ألذي لم يقيض له أن يقرأه في أللغة ألتي كتب بها على آفاق من المعرفة حجبتها عنه أنواع قديمة جدا من ألإضطهاد وكبت حرية ألفكر ألتي ضربت جذورها ألعميقة في ثقافة وحياة مجتمعنا.

وحيث غدا ألفكر العربي منذ زمن طويل فكرا لاتاريخيا يفتقد الحد ألأدنى من الموضوعية ويجمد على افكار سلفية منسلخة من عصرها تقدّس الماضي وتستخدمه حلولا جاهزة لمشاكل ألحاضر والمستقبل ولا سيما في نطاق ألبحث ألمتعلق بالمقدّس والمحرم كما رسمت خيوطها خاصة في عصور ألإنحطاط وبالقطيعة مع كل موضوعية أو منهجية علمية.

منذ ألمهد إلى أللحد يتلقى ألقاريء العربي كلمات ومفاهيم، وحكايات واساطير وخيالات وطرق تعامل مع الاشياء كأنّها حقائق أزلية لا مجال فيها لإستعمال ألعقل أو ألتفكير، لأنّ مهمّة ألمنطق والعقل حصرت في ألتذكير وليس في الإستكشاف أو محاولة الفهم.

ما زلنا نخاف البحث في أمور ألدين الذي نعتبره موضوعا مثاليا، معطى من عند الله يحوطه ألتقديس ولا يمكن دراسة معتقداته وتاريخه كعلم انساني حتى ولو تعلّق الامر بافكار وآراء أشخاص تأريخيين وفي فترات متقطعة ومتباعدة وكأنّ مجرد ألتعرض لآراء هؤلاء ولو في شؤون الحياة من مأكل وملبس وزواج وأقتصاد …إلى آخره هو تقويض لبنيان ألمجتمع وخيانة عظمى توجب ألإعدام.

قراءات في تاريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية – ألإسماعيلية، وتمجيد ألإمام، ألبعث الكبير، ألمهدي:

(( بعد موت ألإمام إسماعيل، اعتبر ألتقليد وجود ثلاث أئمة مستورين وفي عام 187 هجرية (1094 ميلادية) أنقسمت الجماعة الإسماعيلية إلى فرعين: ألشرقيون (أي الفرس) ألذين كان مركزهم القيادي قلعة الموت ( حصن في الجبال من الجنوب الغربي من بحر قزوين) والغربيون، اي سكان مصر واليمن.

من ألمناسب أن نذكر فرعا ثالثا من الشيعة وهم ألزيديون ألذين جرت تسميتهم تبعا للإمام ألخامس زيد ( ولد في 724 ميلادية) إنّهم قليلو ألعدد وقريبون جدا من ألسنيين، وفي ألواقع لا ينيطون بالإمام فضائل مما فوق الطبيعة كما يفعل ألإسماعيليون خاصة.

أمّا النصيريون في سورية فهم فرع من ألإسماعيلية ويمجدون ألإمام علي بن ابي طالب، ولكن هذا ألمفهوم يختلف عن الشيعة.

إنّ بحثنا ألمختصر في هذا الكتاب لا يسمح بتحليل حتى ولو بشكل موجز للمجموعة المعقدة من علم ألكون وألاناسة (ألأنثروبلوجيا) وألأخروية ألأسماعيلية ( يجري الكلام حول مبدأ أو تنظيم أولي لسر ألأسرار لإنبثاق الكائن بدءا من العقل الأول ومن آدم الروحي للمملكتين- السماوية والارضية- التي حسب ألمؤلف كوربان ترمزان “واحدا مع الآخر”. وحسب ألمؤلفين ألإسماعيليين فإنّ جسد ألإمام ليس جسدا من لحم، كما هو جسد زراداشت، إنّه نتيجة ندى من أصل سماوي ممتص بواسطة آبائه.

إنّ ألغنوص (ألعرفان) ألإسماعيلي يفهم بإلاهية ألإمام (ولادته ألروحية) ألتي حولته لدعم (معبد النور) وهو معبد روحي صرف، فإمامته هي ذلك ألمجموع الصوفي ألمشكّل من كل أشكال ألنور من مريديه.

وأكثر جرأة، هي نظرية ألاسماعيلية في قلعة ألموت (قلعة الموت وألإسماعيلية ألمعدّلة اثارت في الغرب فولكلورا حول (الحشاشين) وهو مصطلح مشتق حسب المؤلف سلفستروي ساسي من الحشيش لانّه أفترض أنّ ألمؤمنين كانوا يتعاطون الحشيش).

في 17 رمضان سنة 559 هجرية (8 نيسان سنة 1162 ميلادية) أعلن ألإمام أمام ألمؤمنين ألقيامة ألكبرى.

إنّ ما أنطوى عليه ألإعلان، لم يكن شيئا بأقل من مقدمة لإسلام نقي روحي، محرر من كل ذهنية شرعية، ومن كل عبودية للشريعة، دين شخصي، لأنّه كشف وعاش ألمعنى الروحي لكشوفات نبوية.

إنّ محاصرة وتخريب قلعة ألموت من قبل ألمونغول في (654 هجرية/   1251 ميلادية)  لم يضع نهاية للحركة، فألإسلام ألروحي أستمر مغلّفا في الجمعيات ألصوفية.

وحسب ألإسماعيلية ألمعدلّة، فإنّ شخص ألإمام له حق ألتقدم على شخص ألنبي.

إنّ ما فكرت فيه ألشيعة ألأثني عشرية، كما أنّه مصطلح لمنظور أخروي، أكملته إسماعيلية جماعة قلعة الموت بتقدم ألأخروية ألتي هي بعث للروح ضد كل أنواع ألعبوديات.

فألإمام بصفته ألإنسان ألكامل أو “وجه ألله” فإنّ معرفة ألإمام هي معرفة ألله ألوحيدة ألممكنة للإنسان.

إنّ ألإمام الخالد هو الذي يتكلم ” ألأنبياء يعبرون ويتغيرون. ونحن ألرجال ألخالدون، فرجال ألله ليسوا ألله ذاته، مع ذلك فإنّهم غير مفارقين لله”.

وبألنتيجة فإنّ ألإمام ألخالد كمظهر إلاهي يجعل ممكنا علم ألكائن (ألأنطولوجيا) فقط، إذ نظرا لأنّه ألموحي فهو عين ألوجود، إنّه ألشخص ألمطلق، وألوجه ألإلاهي ألباقي وألصفة ألإلاهية ألعظمى، ألتي هي ألأسم ألاعظم لله. وهو بصورته ألأرضية تجلّي، أو مظهر ألكلام ألأعظم (مظهر كله أعلى).

إنّ باب ألحقيقة لكل زمان هو مظهر ألإنسان ألباقي ألذي يظهر وجه ألله. كذلك مما له دلالاته ألإعتقاد بأنّ لدى ألإنسان تفترض معرفة ألنفس معرفة ألإمام ” ومعلوم أنّه يتعلق بمعرفة روحية للقاء في عوالم خيالية مع ألإمام ألمستور وألغير ألمرئي والغير ألممكن إدراكه بالحواس”.

 إنّ نصا إسماعيليا يؤكد:

” من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية”.

إنّ ألفلسفة ألإسماعيلية تتلخص في ألسطور التالية ( حسب راي كوربان في كتابه عن الإسماعيلية):

“لقد قال ألإمام: إنني مع محبيّ حيثما بحثوا عني، على ألجبل، في ألسهل، في الصحراء. إنّ من كشفت له جوهري أي المعرفة الصوفية لذاتي، فليس بحاجة لقربى طبيعية مني وتلك هي القيامة الكبرى”.

إنّ ألإمام ألخفي لعب دورا حاسما في ألتجربة الصوفية للإسماعيلية وألفروع ألشيعية ألأخرى.

ويضاف إلى ذلك أنّ مفاهيم مشابهة تتعلق بألقداسة، لا بل (ألألوهية) للمعلمين ألروحيين، تصادف كذلك في تقاليد دينية أخرى (ألهند، ألمسيحية في ألقرون الوسطى، ألهاسيديسم).

إنّ ألصورة ألخرافية للإمام المستور قد اتصلت مرارا باسطورة أخروية للمهدي، وهي لغة القائد أو بمثابة ألدليل (أي الذي أهدي من قبل ألله). وهذا التعبير لا يوجد في ألقرآن، وقد طبقه ألعديد من ألمؤلفين السنة على شخصيات تأريخية (انظر قصة ألمهدي في مقدمة أبن خلدون).

ومع ذلك فإنّ تقديره ألأخروي هو ألذي أثار الخيال، فبالنسبة لبعضهم، أنّ ألمهدي كان يسوع (عيسى) ولكن أكثرية رجال ألدين جعلوه منحدرا من اسرة ألنبي محمّد. وبالنسبة للسنيين، فإنّ ألمهدي، مع أنّه يطلق ألتجديد العالمي، فهو ليس القائد الذي لا يقهر كما أعلنه ألشيعة، وهؤلاء ألأخيرون وحدوا المهدي مع ألإمام. وحول إختفاء ألإمام ألثاني عشر ونتائجه (بصورة خاصة ألنظام الروحي) يقول هنري كوربان مايلي:

“هذه الغيبة (إختفاء ألقاصر) تميّز ألبداية، ألذي سيدوم عشر سنوات وأثنائها يتصل ألإمام ألغائب عدة مرات مع ألمبعوثين، ولأنّه لم يعيّن خليفة فقد بدأ ألغيبة الكبرى، أو ألتأريخ ألسري للإمام ألثاني عشر.

إنّ إختفاء ومعاودة ظهور ألمهدي في نهاية الزمان لعب دورا بارزا في ألتدين الشعبي وفي ألأزمات ألألفية. فعند بعض ألمذاهب (ألكيسانية) سيكون محمّد أبن ألحنفية، وهو أبن ألإمام علي بن أبي طالب من زوجته ألأخرى (غير فاطمة بنت ألنبي محمّد) وحسب معتقدهم هو دائما حي يرقد في قبره على قمّة رضوي حيث ينتظر ألمؤمنون عودته.

كما في ألتقاليد، فإنّ قرب نهاية ألزمان يتميّز بإنحطاط جذري للبشر وبعلامات مميّزة:

فالكعبة ستزول، وأجزاء ألقرآن ستصبح صفحات بيضاء، ومن سيلفظ إسم ألله سيتم قتله …..إلى آخره من ألعلامات.

إنّ ظهور ألمهدي سيدشن، بألنسبة للمسلمين، عصرا من ألعدالة وألرخاء لا مثيل له حتى ذلك الحين على ألأرض. وسيدوم حكم ألمهدي خمس أو سبع أو تسع سنوات.

إنّ إنتظار ظهور ألمهدي يبلغ حدته أثناء عصور ألكوارث. لقد جرّب ألعديد من ألرؤساء ألسياسيين ألحصول على ألسلطة ( وحصلوا عليها في كثير من ألمرات) بإعلانهم أنفسهم أنهم ألمهدي، وافضل مثال على ذلك مهدي السودان ألذي أنتصر عليه أللورد كيتشز سنة 1895 ميلادية))….. أنتهى ألأقتباس

خاتمة:

رجل الدين ومؤسسوا ألمذاهب والطرق الدينية  يلعبون دورا مرسوما  بدقة في دين الجماعة المؤسس منذ القدم على قواعد ثابتة، وما عليهم  الّا السير على مسالك من ما سبقهم من رجال الدين، فطريقة مؤسس الديانة تغدو نمطا لكل الجماعة ولكل من يجيء بعده خليفة.

ولكن ألأفكار وألمعتقدات ألدينية محكومة بقانون ألتطور فكما تطور ألكائن الحي من خلية واحدة إلى أنواع عديدة من ألكائنات الحية التي يقف ألإنسان في قمة مراحل تطورها فألأفكار وألمعتقدات ألدينية تطورت وتشعبت بنفس ألصيغة بتأثير ألبيئة وتطور ألثقافة وألعلم ونتيجة ألاحتكاك بحضارات أخرى.

يمكن تقسيم الاديان الى ثلاثة مجاميع:

1-    الدين الفردي:

في قاع الظاهرة الدينية، هنالك خبرة فردية يعانيها الانسان في اعماق نفسه وبمعزل عن تجارب الآخرين. فإذا كان لكل بناء سامق اساس يقوم عليه، فإنّ بناء الدين إنّما يقوم على هذا النوع من الخبرة الدينية الفردية، وتدخل الشامانية ضمن هذه المجموعة.

2-    الدين الجمعي:

تتخذ الظاهرة الدينية سمتها الجمعية عندما يأخذ الافراد بنقل خبراتهم المنعزلة الى بعضهم بعضا، في محاولة لتحقيق المشاركة والتعبير عن التجارب الخاصة في تجربة عامة، وذلك باستخدام مجازات من واقع اللغة، وخلق رموز تستقطب الانفعالات الدينية المتفرقة في حالة انفعالية مشتركة، وهذا ما يقود الى تكوين المعتقد، وهو حجر الاساس الذي يقوم عليه الدين الجمعي ( اضافة الى الطقس والاسطورة ). فهنا تتعاون عقول الجماعة، بل وعقول اجيال متلاحقة ضمن هذه الجماعة، على وضع صيغة مرشّدة لتجربتها.

 

3-    المؤسسة الدينية:

يختلط مفهوم الدين اليوم بفكرتنا عن المؤسسة الدينية وموقفنا منها، الى درجة تبعث على التشويش، وتؤدي الى نتائج مفجعة في بعض الاحيان،

إنّ  تفسير المؤسسة الدينية للدين أدّى إلى تسييس الدين واستخدامه اداة ضغط وتسلط، سواء من قبل السلطة الزمنية (كالكنيسة الكاثولوكية وعلى رأسها البابا في الفاتيكان، وكالازهر في مصر، وكالحوزة العلمية في النجف وكنظام ولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية في ايران)، أمْ من قبل اية شريحة او فئة تجعل من نفسها قيّما على دين الناس ومرجعا اعلى لتفسيره والعمل بموجبه ( كالسلفية والوهابية والاخوان المسلمون  ومنظمة ألدولة ألإسلامية في ألعراق وألشام وحزب الدعوة في العراق وجميع الاحزاب الدينية بدون استثناء.

علما بأنّ ألدين ألإسلامي دين سياسي بألأساس وهذا ألأمر لا يخفى على مؤرخ ألأديان أو على أي قاريء موضوعي للقرآن وألسنة ألنبوية.

مصادر البحث:

تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد

ألمترجم
ألمحامي: عبدألهادي عباس