الأضرار التي يتركها الاستبداد الفكري كظاهرة قديمة هي قمع كل فكر مغاير أي ألإستبداد بالرأي، وهذا امر له اثار كبيرة على كافة المستويات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والأخلاقية، لا بل، يؤدي الاستبداد الفكري إلى صناعة مجتمع خالي من المفكرين والمبدعين ، وكل هذه الآثار تكون ذات مردود سلبي على المجتمع، وعلى الدولة، وعلى الفكر,مما يخلق طبقة متسلطة بافكارها لبسط ما تراه هي صحيحا. و عصرنا الراهن وبعد الثورة التكنولوجية الضخمة في الاتصلات السريعة والنقل السريع ووصول المعلومة بأسرع مايمكن, فإذا كانت السلطة في عصرنا تستطيع التضليل في نقل الخبر والتأثير في صياغته ,فسيصبح الناس أسرى السلطة الاسبتدادية والموقف الأيديولوجي . ان الالتزام بالمحددات الفكرية المسبقة والمتوارثة عبر الزمن ومن خلال ثقافة الاباء والاجداد ينبغي ان تستبدل بفكرة الوطن والمجتمع. ان الدفاع عن الحريات الفردية ومقاومة أي استبداد تسلطي هو واجب كل فرد في المجتمع الحر. غير أن صفة الاستبداد لا تشمل فقط حكومة الحاكم، بوصفه الفرد المطلق الذي تولّى الحكم بالقوة والقهر، أو الوراثة، بل تشمل أيضاً الحاكم الفرد المقيَّد المنتخب متى كان غير مسؤول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً؛ ان المرونة الفكرية المطلوبة لا تفقد الفكرة الأساسية ثوابتها الأستراتيجية ولكنها تتيح لها فرصة المناورة والتفاعل مع الآخر بهدف اغناء تلك الفكرة وتعزيزها بما يخدم الواقع ويجد حلولاً لا متناهية له بفضل تلك المرونة. اما التعصب والأنغلاق الفكري فلن يكون مصيره الا الأستبداد والأنعزال والتقوقع على افكار جامدة وشعارات براقة ليس لها صلة بالواقع. فالاستبداد فكرة أحادية الجانب مهيمنة بذاتها، علي مُخيلة الحاكم، فلا هو يستطيع التخلي عنها ولا يستطيع العيش بدونها، صورة من صور القمع الفكري والتخلف السياسي والجهل الاجتماعي فهو يعتبر فكر التغيير والرأي المتعدد عدوه الأساسي، ولايريد ان يعرف قيم التسامح والمساواة التي يحملها الاخر .الاستبداد الفكري الذي هو آفة الفكر، تتحول المجتمعات من خلاله إلي رفض الاخر وإلى التناحر والتشدد و إصابة المجتمع البشري بالهزيمة الدائمة. ان الاستبداد الفكري دفع إلى بروز حاجة ملحة في العقود الأخيرة من القرن الماضي لدى الناشطين في الحقل الحقوقي للبحث عن مرجعية فكرية للمفاهيم الدولية والتي تأتي حقوق الإنسان على رأس قائمتها. وفي هذا السياق لابد من الاتفاق على صياغة رؤية مستقبلية للنموذج الديمقراطي المعول عليه ، بما يمكن استلهامه من التجارب الأخرى للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، خلال الموجات للتحول الديمقراطي التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وما يمكن أن تضيفه النخب الفكرية والسياسية العربية على ضوء تجربتها خلال التاريخ المعاصر. وهذا كله يستحيل تحقيقه من دون حوار جدي تشارك فيه كل التيارات والنخب . وقد أكد جون ستيوارت ميل ,إن الصلاح الذهني للبشر يتوقف عليه صلاح جميع شؤونهم الأخرى. ولا يتحقق الصلاح الذهني إلا عن طريق إطلاق حرية الفكر والمناقشة والتعبير عن الرأي، وتبريره لذلك هو أن ضرر قمع التعبير عن الرأي أكبر من ضرر السماح له. فإن كان الرأي حقاً فبمنعه نحرم الأجيال الحاضرة والقادمة فرصةَ معرفة الحقيقة، وإن كان الرأي خطأ فإننا نحرمها إدراكَ الحق والتمكن منه عندما يصطدم بالخطأ. إن أخطر ما في ظاهرة الأستبداد هي أننا لا نرى الأشياء على حقيقتها و بالتالي فإننا لا نعطيها حقها الحقيقي , ولكن نرى الأشياء بعيون غيرنا. الفساد السياسي و الوصول إلى سدة الحكم قهرًا، وزوال سيادة القانون، ومنع المشاركة السياسية، ومركزية القرار والحكم، والقضاء على ذوي الحنكة داخل الدولة، وتبني آليات الدولة البوليسية، وقمع حرية الرأي. ويخضع الخطاب العربي المعاصر منذ النّصف الثاني من القرن العشرين لسيطرة المسلّمة القائلة بالامتلاك التام للحقيقة ونفيها عن الآخر، وقد برزت مع هذا الاعتقاد صراعات عديدة بين المدارس الفكرية العربية المختلفة، ولعلّ إشكالية التّراث والحداثة هنا من أبرز دوافع هذه الصّراعات، “… فالحداثيون يرون الآخرين ظلاميين ورجعيين ومتخلّفين وماضويين وسلفيين وغير علميين…إلخ. ودعاة الأصالة على تعدّد مفاهيمها يرون الآخرين متغربين، وأنصار الاستعمار، وعملاء الإمبريالية، أو مرتدين أو كافرين أو جاهليين..إلخ.إن صلب المشكلة السياسية في أي نظام سياسي يتمحور حول أنه ما من إنسان إلا وفي طبعه درجة من الرغبة في التسلط على الآخرين ، وإن تولي السلطة بما تتضمنه من احتكار لأدوات الإكراه في المجتمع يهيئ لتلك الرغبة إمكانية التعسف في استعمال السلطة ، ومن ثم الوقوع في الاستبداد، وهنا تبرز المشكلة السياسية بمضمون قوامه ما مدى قدرة الفكر الذي يستند إليه النظام السياسي في التنظير للحيلولة دون الانحراف بالسلطة السياسية إلى الوقوع في الاستبداد. صنع من الأفكار الفردية تأثيراً لا يصل إلى الواقع ليكون ملموساً أو حتى قريباً من المجتمع، فالشخصنة عادة ما تقود إلى الاستبداد الفكري الذي من الطبيعي أن يُضعف ويُعرقل فاعلية الاحزاب والمنظمات ويحد من نشاطها، لأن التجديد والإبداع يتطلب جهوداً جماعية تخلق أفكاراً جديدة، فالاحزاب والمنظمات مدارس يتخرج منها كوادر مؤهلة تستطيع التأثير على المجتمع من جميع النواحي سواء من الناحية السياسية بنشر التوعية السياسية التي تعزز الفكر الديمقراطي عبر غرس أفكار تفعيل الشراكة السياسية بين المواطنين والسلطة بمفهوم التعددية الحزبية التي تجعل كل مواطن يشارك في تسيير السلطة العامة واتخاذ القرارات السياسية عبر النواب المنتخبين من قبل الشعب وأيضاً من الناحية الاقتصادية تقديم إحصائية البطالة وما يتبعها من فقر والمساهمة في وضع خطط استراتيجية تستهدف هذه الفئة من الناس، واجتماعياً عن طريق تكريس جهودها في نشر التوعية الأسرية وتناول العديد من المشاكل الاجتماعية. ومن خلال قراءة تأريخ المجتمعات البشرية ان زمن هيمنة قوى الأستبداد والفساد قد يطول ليكون مستوى تدميرها للمجتمعات واسعاً وعميقاً وقد يؤدي في لحظات التراكم التأريخي الحرج الى الأنهيار الكامل لكيانات بعض المجتمعات وشواهدنا على ذلك عديدة وفي مثل هذه اللحظات الحرجة يكون التفاعل الإجتماعي بين الموضوعي والذاتي أكثر تعقيداً وأكثر خطرا ,ان عصر الأنوار في القرن الثامن عشر الذي ظهرت به حركة فكرية في أوربا و في فرنسا على الخصوص، اتخذت من الإنسان و حقوقه أساسا للمواضيع المتناولة سواء في الميدان العلمي أو السياسي أو الإنساني و جعل العقل حكما لرفض أو قبول أي شيء كان و العمل على إنشاء مجتمع جديد يقوم على الديمقراطية و الحرية و المساواة.ً
ينشأ الاستبداد الفكري حينما نتعامل مع ثقافة ترفض الأخر أولا تقبله, و الاستبداد الفكري في ظل سلطة جاهلة مستبدة سر ديمومتها وكيانها في ضعف تعليمها وسذاجة طروحاتها لذا فإن الديكتاتورية ترتبط أول ما ترتبط بتكميم أفواه مفكريها وكثرتهم في المنافي والمعتقلات. الاستبداد الفكري ينشأ حين يتحول العمل الثقافي إلى مشروع تجاري للتضليل يرفض أن تكون الثقافة معبرة عن واقع مجتمعها وصورته الحقيقية وإنما تبقى دائرة في فلك الفرضيات فتكون السلطة هنا تعمل على تنقية الأفكار فتختار منها ما يوافق مصالحها وتغتال أي محاولة لنقاش واقع المجتمع لأنها بنظرهم تهديد لقيم المجتمع وثوابت الدين وتتحول معها الثقافة إلى شعوذات يرفض أن يتعاطاها المثقف لأنها لا تعبر عنه. ان الفكر الانساني هو ثمرة ثقافتنا التي لا بد أن نؤمن بواقعتها وليس بمثاليتها فتسلط علينا اجهزة السلطة , من الطبيعي أن نرفض في هذه الحالة أن نتعامل مع هذه الثقافة الانتقائية لأننا نعيش الالام. لقد اصبح التعايش بين الافكار والاعراق والاديان والمذاهب السياسية، ضرورة لا بديل لها واصبح الانسان يعيش كما هو وليس كما يجب او ما تصوره طموحاته . عدم قناعة النخب الحاكمة في مجتمعاتنا بفكرة التغيير السلمي والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, حيث أنه من المعروف أن الأصل في الدولة أن تكون محايدة ومستقلة كرابطة مدنية تحترم استقلالية الفرد الحر المتساوي مع غيره، والقادر على تسيير أموره بنفسه، وتحديد أهدافه العليا بإرادته. وأن الحكومات ينبغي أن تخضع للمراقبة والمساءلة، وأن الحكام بدورهم يجب أن يخضعوا للقانون والمحاسبة المستمرة، وأن الأمة هي مصدر السلطات وليس الفرد الحاكم المتهالك على السلطة والثروة. ان النتائج المباشرة لتطبيق السياسات الاستبدادية في مجتمعاتنا العربية، قد بنت إنسانا مشلول التفكير مسلوب ألإرادة وانتقالات سريعة من أزمات إلى أخرى، مما قاد إلى ما نحن عليه اليوم من انسداد كل أفق ممكن لإيجاد حلول ومعالجات مثمرة.إذن لابد من بذل الجهود المستمرة لتوفير الحماية للأمن الفكري،لكي لاتشكل الأصولية،عقبة كبيرة أمام بناء سهل لمجتمعات مدنية.
ليس من شك أن التخلف الذي تعيشه أمتنا له أبعاد نفسية وفكرية، وثقافية واقتصادية واجتماعية متشابكة، أن الإنسان العربي يعيش حالة هدر لإنسانيته، هدر ورعب ، كما أن الإنسان العربي يعيش حالة قهر متراكمة، وعند النظر العميق في حالتي القهر والهدر الإنساني اللتين يعيشها المواطن العربي، سنجد أنه يعيش حالة دمار نفسي، وفتور عقلي، ويدخل تحت هاتين عدد هائل من صور الإحباط، والحماس والانفعالات غير الواعية، والدعوة إلى إصلاح الأوضاع بسرعة فائقة ، وما لم يتم ذلك فالعنف والإقصاء هو الحل الأمثل ، وهذا يعني عدم الوعي بالتركة الثقيلة التي خلفها الاستبداد. ويتعذر على الأمة أن تناقش أو تحاسب الدولة ممثلة بالحكومة دون أن يكون لها أحزاب تتولى مركز قيادة الأمة تجاه الدولة، لوجود صعوبات جمة أمامها، لا يذللها إلا وجود قيادة موحدة تتمثل في تكتل، لا في فرد، أو أفراد. ومن هنا كان لزاما أن يقوم في الأمة أحزاب سياسية حقيقية، عملها الوحيد حمل المباديء السامية في التحرر والانعتاق من الاستبدا ، وطريقها الوحيد لحمل المباديء هو الطريق السياسي. و قيام هذه الاحزاب لا بد منه لأنه هو الوسيلة العملية التي تقود الأمة وتضمن بقيادتها لها قيام الدولة بمهمتها على أكمل وجه.
ان الاستدلال والتصور للحرية الفردية على انها مطلقة ، حيث إنه تصور إيديولوجي لمفهوم الحرية الفردية لايمكن استباحة النظام العام ، وأنه باسم النسبية والتطور والكونية ، لايمكن مصادرة حق مجتمع كامل في التشريع والتقنيين والتنظيم وحماية النظام العام ، وأنه تحت ذريعة وجود قوانين يمكن أن تكون متناقضة مع الحرية يمكن مصادرة حق الأغلبية في التقنين لأنها أغلبية غير واعية او غير مدركة للعمل السياسي ,أن القوانين ينبغي أن تكون ضامنة للتعايش ، وبحكم وجود مناضلين حقوقيين في المنتديات الدولية يناضلون ضد قوانين تكرس الظلم والاستبداد ، ومنها ضمنيا كما هو مفهوم القوانين التي تضبط حرية الأفراد بعدم المساس بالنظام العام ، يمكن للبعض وقد يكون أقلية لا اعتبار لها أن يفرض فهمه للحرية الفردية أي رفضه لقوانين المجتمع ونظامه وقيمه. وهذا ما أكده سقراط بقوله “إن أي خلل في سلوك الشعوب هناك دائما خلل في تفكيرها.
ان الأستبداد الفكري لا يمكن مكافحته الا بالمزيد من الديمقراطية بالمفهوم الحديث وقوة المراقبة, ذلك أن الاستبداد لا يمكن الحد منه ما لم يكن هنالك ارتباط في المسؤولية بين السلطات الثلاث . ومن أجل صياغة الإطار الأمثل لإنجاز هذا التحول لابد من إدراك مخاطر الهيمنة القسرية للحزب الواحد، حيث أنها كانت أداة قمع وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية الحقيقية. ليس ذلك الإدراك فحسب، بل تنمية فكر سياسي ديمقراطي وتفاهم بين كل الأطراف الفاعلة من أجل إنجاز التحول الديمقراطي المنشود إن أغلب الأدبيات الغربية في مجال العلوم الاجتماعية تُجمع على منح فكر عصر الأنوار الأوربي دوراً أساسياً في تكوين مفهوم حقوق الإنسان لدى النخب العربية . و باستثناء قلة، فإن الباحثين في الغرب يفسرون ظاهرة تكون الوعي بحقوق الإنسان عبر دخول الأفكار المنفتحة التي تؤمن بالاخر