18 ديسمبر، 2024 7:20 م

أكذوبة الزمن الجميل ، بين السادة والأسياد ، ضاعت البلاد

أكذوبة الزمن الجميل ، بين السادة والأسياد ، ضاعت البلاد

أثير في الأونة الأخيرة ، لغطا وجدالا أثارته قناة (العربية) ، عند إجرائها لقاءً مع (رغد صدام) ، وما رافق هذا الجدل ، من إدعاآت عن نية تلك المرأة عن عزمها ترشحها في الإنتخابات الجديدة التي لا أحد يعلم بموعدها ، فجميع الأخوة الأعداء ، أو بالأحرى العصابات التي تدير البلد ، منهمكون لتأجيلها أو تزويرها أو نسفها تماما ، فكل همهم هو كسب الوقت ، وخلاله سيسرّعون عجلة السّرقة والنهب إلى أقصاها ، ليضعوا بذلك (خط رجعة) لمكاسبهم ، فوعي الشعوب هو العدو الأوحد لهذه الطبقات الفاسدة ، فكيف إن كانت الأفسد على طيلة تاريخ البشر ؟! ، هذه الطبقة تعلم جيدا ، إننا لو تخلينا عن همجيتنا ، ونأينا عن عبادة الأفراد وورثتهم ، لو إستيقظت الضمائر التي تتقاضى أجرا لتشكيل حشود تستعرض أمامنا فتبعث بنا اليأس ، ما بقي منهم أحدا ، ولجُرجُروا الواحد تلو الآخر إلى القضاء (إن تعافى) ، وسيكون حسابهم عسيرا صعب التصور ، لذلك تجدهم الآن ، لا يكفون عن حياكة المؤامرات التي لا تنتهي ، هم عصابات بإمتياز ، وديدن العصابات أن تختلف فيما بينها على السرقات إلى درجة الإقتتال ، ويمارسون لعبة ليّ الأذرع فوق الطاولة على الأقل ، لكنهم يتصافحون تحتها ، ونجدهم لا يتفقون إلا على ضرر وتدمير الناس .

حقيقة لم أتعب نفسي في مشاهدة لقاء (رغد) على قناة (العربية) ، فلا ينقصني الغضب والحنق ، والشعور المزمن بعدم الرضا على كل الأنظمة مذ أن أبصرت عيناي النور ، لكني شاهدتُ لقاءها من خلال برنامج (البشير شو) المفضل لدي ، وتعجبت كمن تلقى صفعة أفقدتني صوابي وهي تتشدق بعبارة (نحن أسياد البلد) !! ، ولا أدري أي قلة أدب وعجرفة وتعالي وعنجهية ، بل نية سوداء مبيتة تعيشها هذه المرأة التي قضّت حياتها بين أروقة المؤامرات ، وتربّت في محيط يعج بعتاة القتلة والمجرمين ، تتصرف وكأن البلد مجرد عرصة بيد أولاد (العوجة) ! ، لكن العتب لا يقع عليها حقا ، فالعصابات الإجرامية الحالية التي يسمونها “حكومة” ، اعطتها المبررات لمطالبتها بعرش أبيها !

كل ما يحدث في البلد هو من جريرة أبيها ، فالتاريخ يحدّثنا أن الحزب الأوحد الذي يدير البلد ، تنتج عنه (مزعطة) سياسية ، والضغط الذي سببه هذا الحزب الواحد ، قد نتج عنه إنفجار ، ولّد لدينا أورام سرطانية يسمونها “أحزاب” ، تلك التي تمسك بتلابيب البلد حاليا ، لا يوجد حزب واحد منها ذو قاعدة جماهيرية ، أحزاب بلا أدبيات أصلا ! ، فهي مجموعة من التجمعات مدفوعة الأجر ، لا إنجازات لها سوى النهب الأسطوري الذي أدهش العالم ! .

أبوها هو عرّاب مهزلة (الجبهة الوطنية والقومية والتقدمية) ، والتي إنضوت تحتها بضعة أحزاب “رديفة” لحزب البعث ، لكنها كانت فكرة جهنمية تمخضت عنها عقلية صدام الظلامية ، للإنقضاض على قادة وكوادر تلك الأحزاب وتصفيتها ، هذا عدا حمامات الدم التي مارسها (الوالد) في قاعة الخلد وغيرها ، وفي أيام مراهقتنا ، صدر تعميم من الحزب ، بإعدام كل بعثي لمجرد أخفاءه إرتباطه السابق !! ، وعندما أحس الرجل بإهتزاز كرسيّه بعد مغامرته بإجتياح الكويت ، أعطى كل شيء حتى لم يبق لنا شيء من ماء الوجه ، بالموافقة على (عصابات) لجان التفتيش “الدولية” ، بتفتيش حتى غرف نومه ! ، أما إملاآت (خيمة سفوان) ، فعار ما بعده عار .

هنالك أسطورة يتداولها الشارع مع الأسف الشديد ، بسبب ما عانيناه من عصابات الحكومة ، أو أن هنالك جيلا شبابيا بأكمله ، لم يعش فصول الرعب والبطش الصدامي ، فصرنا ننبش بجيف الماضي ، ونحن الشعب الذي يمتلك أكبر ذاكرة مثقوبة بين الشعوب ، لنقول أن أيام صدام كانت أفضل ! ، حسنا ، ربما كذلك ، فالمسألة نسبية عند المقارنة بين السيء والأسوأ ، وكأننا لا نستحق كلمة (أفضل) ! ، نحن نقارن بين أسوأ نظامين في التاريخ سابقا ولاحقا ! ، من هذه الأساطير أيضا أن صدام لا شأن له بك ما دمت لا شأن لديك بصدام ! ، وهل يوجد خطأ وإهانة لآلاف الشهداء المغدورين الأبرياء ممن غُيبوا في أقبية نظام صدام ؟ ، فكيف غاب العشرات بل المئات من أقاربي ومعارفي ، أعدم من وحدتي فقط ثلاثة من خيرة الضباط المهندسين لا نعرف ما هي تهمتهم بل لا يحق لك أن تعرف ، وإن حاولت مجرد الإستفهام عن مصير فرد ما ، فستغيب مثله تماما .

يتغنى كبارنا بمشوار “الزمن الجميل” ، ولا أعرف سرّ “جمال” هذه الفترة ، وأتحدّث عن الغالبية الفقيرة التي أنتمي إليها ، وكم كانت الطفولة بائسة ، تنهش بها أمراض سوء التغذية وفقر الدم والحرمان ، كانت هذه فترة السبعينيات ، حيث المُراهقة ، كل أحلامنا المشروعة جدا مستحيلة التحقيق ، بل ليس من حقّنا أن نتمنى أي شيء ، هكذا كانت بدايات الدولة البوليسية وقد وصف شاعرنا الكبير مظفر النواب تلك الفترة :

في كلِ زقاقٍ أجدُ الأزلامَ أمامي

أصبحتُ أحاذرُ حتى الحيطانِ ..

أصبحتُ أحاذرُ حتى الأطفالِ

أصبحت أحاذر حتى (التلفون) ..
أقيء لهذا الأسلوب الفجّ ..

وفي بلدٍ عربيٍ ..

كان مجردُ مكتوبٍ من أمي

يستغرقُ في أروقةِ الدولةِ

شهرينِ قمريين !..

ورغم كل ذلك ، كان العراق أرقى دولة في الخدمات الطبية في الشرق الأوسط ، وكانت لدينا أرقى الجامعات على مستوى العالم والتي كانت تعج بالطلاب العرب ، لم أشاهد إمرأة محجبة ، إلا واحدة كانت زمياتنا في الجامعة ، كان المسؤول الحزبي يستفهم عنها في كل إجتماع ! ، حتى جاء صدام ، فهدم كل شيء ، مُنع السفر ، وأستفحل مبدأ الدولة البوليسية ، وما أن نخرج من حرب ، حتى ندخل أخرى .

فعن أي زمنٍ جميلٍ تتحدّثون عنه ، يرحمكم الله ..