23 ديسمبر، 2024 4:43 ص

أكاديميون ديمقراطيون

أكاديميون ديمقراطيون

ظهرت مجموعة ( أكاديميون ديمقراطيون ) على الساحة الثقافية العراقية بعد المؤتمر الثالث للتيار الديمقراطي العراقي في 29 كانون الثاني 2022 ، حيث تنادى عدد من الأكاديميين والمثقفين في الدعوة إلى اقامة صرح ثقافي جديد يمثل الفئة العليا من الناشطين في الحقل المعرفي . وهو امر اثار عددا من الاستفسارات والأسئلة عن أهدافه وفحواه وطريقة العمل والمناط به ، لأن فرادته وحداثته في الساحة وعدم وجود مثيل لهذا التجمع في البلد وعند القوى والحركات السياسية والثقافية أثار تلك الاستفسارات .
إن من ينظر الى الواقع الفكري والسياسي يلاحظ الازمات المتلازمة التي حفل بها ، أزمات أثارت دهشة المثقف وهو ينظر الى هذا الحطام الثقافي المركب والمتراكم ، الناشئ عن ضعف التعليم ، ونقص المؤسسات الثقافية ، والضعف العام للدولة ، وتخلخل مبانيها العلمية ، ونقص تخطيطها وخوار أجهزتها ، ومن جهة اخرى انعزال المثقف والأكاديمي ، وحصر نشاطاته في مختبره وتحديد تأثيره داخل حصته التعليمية .
ومما يزيد من هذا التعدد والتنوع الكبير المختلف للمشاكل التي تعاني منها الثقافة هو توسع مؤسسة الجهل والتجهيل بما تملكه من إمكانيات مالية ودعائية لتحوز على اكثرية وسائل الاعلام ، وامتد تأثيرها الى جميع فئات المجتمع منتجة ثقافة بالية تنتمي الى العصور الوسطى لتبدأ بذلك معركة غير متكافئة بين القديم الرث والحديث الماضي إلى المستقبل .
ان الامر غير المعقول هو تحقق التقدم العلمي الشامل في جميع حقول المعرفة مترافقا مع التردي الثقافي العام الذي بات يجدد من كلاسيكيات الوهم ومعاداة الثقافة وايكال مؤسساتها لأعدائها ، وينحو الى أبعاد المثقف الحقيقي عن مؤسسات الوعي والثقافة لتقطيع سبل واواصر الترابط الثقافي المجتمعي وحصرها في اطر ضيقة لا تصل الى المجتمع ، الأمر الذي يبرر ويجيب على السؤال التالي : لماذا تزداد الأمور سوءا ويزداد الفقر ويتأخر التعليم وتزداد البطالة في بلد تزداد امواله وعوائد تصدير نفطه ؟.
لقد ظهر في الآونة الأخيرة عدد كبير من الكتب والمقالات ، ونشأ عدد كبير من الكتاب والمفكرين يزيد عددا على عدد أمثالهم الذين قادوا ثورة التنوير في القرن السابع عشر والثامن عشر ، لكن كل ذلك لم يعد مؤثرا في المجال العام نتيجة لفقدان دور المثقف الوسيط بين تلك النتاجات الثقافية والمجتمع ، وظلت حبيسة المكتبات ، لم يهتم بها إلا نخبة من المهتمين بالثقافة والعلوم ونسبة متدنية من الفئات الاجتماعية المختلفة ، ولعبت وسائل الاعلام دورا في تحويل الثقافة الى مناكفات سياسية تشبه صراع الديكة ، وهي طريقة لإحلال الهامشي المتطرف بدل الثقافة والمعرفة والتفكير ، وتشويه سمعة الأستاذ والمثقف الذي يظهر في تلك الفضائيات .
ان الخطر الذي يواجه التقدم العلمي والتحول الثقافي هو تحويل الجامعة الى مؤسسة مهنية منعزلة عن المجتمع ، وتحويل الاساتذة الى مؤدين لدروس هدفها الشهادة والتخرج ، حيث يواجه التلميذ المتخرج واقع البطالة الذي يلغي كل تلك السنين من الكد والجهد والدراسة ، ويقضي على ما اكتسبه من معارف ظفر بها خلال تلك الفترة .
لقد جاء هذا التجمع المكون من أكثر من خمسين أستاذا جامعيا من مختلف الجامعات العراقية لينشئ صرحا ثقافيا جديدا يضم بين جنباته مختلف التجارب والاختصاصات ، هادفا إلى تقديم تلك التجارب والخِبر لتكون قاطرة فكرية ، ومَعين يفيض بالبدائل العملية لمعظم المشاكل الكبرى التي تجر البلد نحو التخلف ، وذلك عن طريق تكوين مجموعات متخصصة تهتم بمناقشة ملف من الملفات الكبرى العالقة ، وهي بذلك تخلق البدائل التي تحتاجها الجمعيات والنقابات الاحزاب السياسية التي تناضل من أجل تطبيقها وتنفيذها .
كما أن اقتصار العمل على اللجان البرلمانية لوضع حلول للملفات المعطلة منذ فترة ليست قصيرة يحد من امكانية ايجاد البديل العلمي الصالح نظرا لعدم تخصص معظم تلك اللجان ، وانحياز السياسي الذي ينظر الى مصالح حزبه قبل النظر الى المصلحة الوطنية .
ان المشاكل التي تواجه السياسة في العراق متعددة الجوانب ، و يستفحل تأثيرها ، وتتفاقم سطوتها ، وتتعدد أوجهها ، وتتنوع كلما أوغلنا في السكوت والسكون وفقر مبادرة القادرين عليها ، فقد كلفت اكابر البلدان جامعاتها من أجل دراسة المشاكل التي يعجز السياسي عن تصورها ، فاوكلت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1975 لثلاث جامعات امريكية من اجل دراسة مستقبل أمريكا في الثمانينات . وهي دراسة أنتجت عددا من المجلدات قام بها طلبة الماجستير والدكتوراه فضلا عن الحضور المباشر للأساتذة فشاعت نقاشاتها في الصحافة وفشت في وسائل الإعلام .
وحري بنا التفكير الجدي من أجل اقتراح مناقشة ملفات مستعصية يتم تداولها الآن في ظل جهل معرفي مطبق ، وفي ظل مصالح فئوية . ولابد لمجموعة أكاديميين ديمقراطيين من تحديد عدد من تلك الملفات عن طريق تكوين مجموعات متخصصة من الأساتذة ومن المختصين بهذا المجال لرفد الفكر السياسي بعدةٍ يستطيع بها توضيح مكامن الأمراض في جسم العملية السياسية ، ولا بأس من التفكير بمشاركة طلبة الماجستير والدكتوراه من أجل نقل عدوى العلم إلى السياسة ، وتوسيع المشاركة المعرفية لإيجاد البدائل العلمية للمشاكل العامة ، حيث ان جغرافية القوة تتكون من قوة السلطة ، وقوة الثروة ، وقوة المعرفة وبها تستطيع مجموعة ( أكاديميون ديمقراطيون ) ان تكون منبع البدائل العلمية ومحور التجمعات الثقافية المهتمة بكبح النكوص والتراجع.