23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

أقوالهم و أفعالهم

أقوالهم و أفعالهم

والله ضيعنه الصدگ من الچذب
تشوفه هيبه وحچيه المصفط عذب
ياخذك ويردك ابشرق وغرب
وبسچاچينه يدچك حيل دچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
ما أظنني أبتعد عن القول السليم، وأشط عن الرأي السديد، وأشذ عن الكلام المعقول والمقبول، إن قلت ان أرباب الكتل والأحزاب في عراقنا الجديد، يجيدون صياغة العبارات وسبك الألفاظ وانتقاء المفردات، أكثر من اتقانهم تفاصيل واجباتهم ودقائق مامنوط بهم من مسؤوليات والتزامات مهنية تجاه الوطن والمواطن. وما رأيي هذا بجديد آتي به، ولاابتكار استحق عليه التصفيق والإشادة، ولا هو طلسم فككته دون غيري من العراقيين، فهو بديهة تراكمت في قناعاتنا جميعا، مذ كان يحكمنا دكتاتور ظالم، سفيه، صفيق، أخرق. ومايؤسف حقا أن الدكتاتورية والظلم لم تمت بموته، ولم تتبدل بتبدل نظامه الحاكم، وكذا الحال في باقي صفاته المذكورة، إذ مابرحت صفاته تتناسل كنسخة طبق الأصل فيمن تبعه على سدة حكم العراق.
وهناك عبارات كثيرة لطالما سمعها المواطن العراقي اليوم، وقبل أربع سنين، وقبلها بأربعة أعوام، على لسان ساسة الساحة العراقية الجديدة، ومن رؤساء الكتل والقوائم، ومن الشخصيات القيادية في البلد، وذلك في الأوقات التي تسبق كل دورة برلمانية، وتشكيلة حكومية، أو تلك التي يحلو لبعضهم تسميتها أعراسا انتخابية، ولست أدري كيف أضحت المآتم أعراسا، إذ ماكان جني أعراس العمليات الانتخابية الماضية، غير ترسيخ الفساد بأشكاله وأصنافه وأحجامه الفلكية، في كل مفاصل البلاد التي مرت بهذا العرس المزعوم.
إن العبارات التي يرددها السياسيون والمسؤولون، والتي تتردد على أسماع العراقيين قسرا، إنما هي عبارات سامية في ظاهرها، تهدف الى تحقيق النتائج المجدية من اجتماعات الرؤوس، لاسيما حين يكون المرؤوسون على أحر من الجمر، انتظارا لما تجود به كف أحدهم، وهو في حقيقة الأمر ليس جودا، بل واجب منوط بالرأس، ماعليه إلا إتمامه وإتقانه، وهو حق للمرؤوس عليه، إلا أن المعطيات على أرض الواقع مغايرة تماما لما عرض وطرح وقيل ووُعِد به وعُوّل عليه.
من تلك العبارات؛ تقارب وجهات النظر، تلاقح الأفكار، توحيد الآراء، توافق الرؤى، رأب الصدع، لم الشمل، حلحلة الأزمة، تفتيت الصراعات، تلطيف الأجواء وغيرها مما يستخدمه المتكلم من السياسيين والمتحدث من المسؤولين. وبلدنا في ظرفنا الحالي بأمس الحاجة الى تفعيل مثل هذه العبارات، وترجمتها الى سلوك ونهج واقعي وبرنامج معمول به، لاسيما وأن الواقع اليوم بدا مريرا من جراء الخلافات والاختلافات التي لها أول وليس لها آخر. فلا يكفي التلويح بها في اللقاءات الإعلامية او الخطب الرنانة في اجتماعات ومؤتمرات جوفاء، هي أصلا خارج نطاق خدمة البلاد وملايين العباد.
وبعد التجارب المحبطة التي مُرر المواطن في حلقاتها الضيقة عنوة، بات يصعب عليه الوثوق 100 % بمصداقية تلك العبارات، فهو بين مصدق -من وحي الأمل- ومكذب -من واقع الحال- لها. وماتزعزع ثقته هذا إلا نتاج سنين عجاف طوال، مرت عليه خلالها جميع أفانين الضحك على الذقون، وأساليب التحايل وطرائق الالتفاف ووسائل الخديعة وأدوات المكر. وما يؤلم أنها حيكت عليه من أبناء جلدته وأبناء محلته او مدينته او محافظته، بعد أن رشحوا أنفسهم خدمة له وللبلد، فاستحدثوا عبارات ومصطلحات عصرية امتطوها مغرضين، متخذين منها جسرا للعبور، والعبور هنا قطعا لن يكون إلا على أكتاف المواطن ومصالحه حاضرا ومستقبلا.