أقلامنا تكتب منذ أكثر من عقدٍ ونصف , وما أنجزت إلا المزيد من الفساد والخوف والإملاق وتكرار الوجوه , التي ننتقدها ونهاجمها ونتهمها , وربما نعتدي عليها بأقوالنا وألسنتنا وما تخطه أقلامنا , ونؤيدها ونصفق لها وننتخبها , فسلوكنا معها وأقلامنا عليها , وتلك حقيقة ما يدور في واقعنا الذي ندّعي بأنه وخيم وثقيل ومجحف وفاسد وظلوم.
ونحن الفاسدون الظالمون المستلطفون للقسوة علينا والمدّعون بغير ذلك , ولهذا فأن كتاباتنا إفتراءات وهذيانات وأكاذيب وعدوان على الذات والموضوع.
كتاباتنا مخجلة , متكررة , تعج بالنفاق والتضليل والدجل , ومعظمها تميل حيث ما تميل الرياح , وتتواجد الموائد والعطايا والهدايا والتمويلات والإكراميات والتمجيد بالألقاب والتسويقات المجحفة , التي تريد أبواقا وأعوانا ومروجين للجور والطغيان.
كتاباتنا ربما أضرت أكثر مما نفعت , وعززت ما هو مرفوض , وأحقت الباطل وأزهقت الحق , وأوهمت الظالم بالعدل , والفاسد بالصلاح , وجعلت من الرذائل فضائل ومن المنكر معروف , وتوّجت كل قبيح بجميل , وكل عمامة بدين , وكل لحية برأي قويم.
كتاباتنا عدوان علينا وعلى قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا وهويتنا وعروبتنا وديننا , ووطننا وحريتنا وكرامتنا , وإجهاض لمسيرتنا وتشويه لتأريخنا , وهجوم سافر ساحق على وجودنا وجوهر كينونتنا.
فالعروبة عدونا , والوطن غريمنا , والمواطنة نقمتنا , والتبعية ديننا ومذهبنا , والإخلال بشرف الوطن منهجنا , وأقلامنا تشيد بالخنوع وتمجد الركض وراء الطامع فينا والمدمر لذاتنا , والمناوئ لأجيالنا , وما نستطيع فعله أن نكتب , ونملأ الصفحات بالهذيانات والتبريرات والتسويغات والتعليلات المريضة المشيرة إلى عاهات في الصدور والرؤوس , وكل قلم يغني على ليلاه الذي لا يعرفها ولا تعرفه.
وبهذا السلوك المتواصل المتكرر فقدت الكلمة دورها وقيمتها ومعناها وأثرها , وصار كل ما يُكتب ” مجرد كلام” , وكأنه مكتوب على وجه الماء , والبعض يراه من آليات التنفيس والترويح والتفريغ والتوهم بأن الكتابة العمل أو غاية العمل.
بل أن ما نكتبه تذمري تنفيرى تيئيسي تسويغي , ويميل إلى تعطيل الفعل وتفريغ القدرات من طاقاتها ومنطلقاتها , وإعتبارها هراء.
وعليه فأن الكتابة لا تنفع , ولن تغير من الحال , ولن تفيد الوطن والمواطن , ولن تبدّل الأحوال , ولا تؤثر في الواقع , بل ستزيده سوءً على سوء وفسادا على فساد , وما تمكنت من الرقي بتوفير أبسط الحاجات الأساسية التي يتمتع بها أبناء المجتمعات الفقيرة في أفريقسا وآسيا , بل أن البلاد من أفسد بلدان الدنيا , وأعلاها بطالة وأمية وخرابا ودمارا , وفقرا ومرضا , وإستهتارا بالبشر الحيران.
فهل تنفع الأقلام في بلدٍ تقبض على مصيره الأوثان؟!!