19 ديسمبر، 2024 12:25 ص

أفي القوم العيب أم في الغراب؟

أفي القوم العيب أم في الغراب؟

بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقال، وبعد أن طفح الكيل بما لايطاق، يتطلع العراقيون اليوم الى شيء واحد هو انفراج الأزمة، بعدما أخذ منهم الصبر مأخذا، واستطال بهم الأمل أمدا طويلا، وخذلهم الساسة والمسؤولون أيما خذلان بتلاعبهم بمقدراتهم وتهميشهم مصالح المواطن، وإهمالهم مفاصل البلد ومرافئه ومرافقه كافة. وفي حقيقة الأمر أن المواطن نفسه أسهم في تردي وضع البلد الى ماهو عليه اليوم، والمواطن نفسه أذنب في حق نفسه يوم سلط أناسا على رقبته، وحكّمهم في يومه وثرواته ومستقبله، فهو نفسه -المواطن- من أتى بشخوص وفق مواصفات خاصة قد تصلح في مكان فيحل الصلاح والفلاح فيه، وقد لاتصلح في آخر فيملأ الخراب والدمار أرجاءه. أما المواصفات الخاصة التي اتخذها المواطن وحدات قياس، وقام على ضوئها بانتخاب من ظنه سيدله على دار الأمان، فقد نأت عن المهنية والعملية والعلمية، إذ لم يُدخل المواطن في حساباته السيرة الحسنة في تأريخ المنتخَب المهني، كذلك لم يحتسب مستواه التقني وتدرجه الوظيفي، فضلا عن اهماله وتغاضيه عن تخصصه ومديات إبداعه في المؤسسة التي رُشح اليها، وقد جنى المواطن سوء اختياره في العرس الانتخابي الأول، وخاب ظنه فيمن سلطهم وسيدهم على نفسه، وحصد عكس أمله فيهم، بعد أن أخذوا بيده الى مالاتحمد عقباه، فحق عليه بيت الشعر القائل:
إذا كان الغراب دليل قوم
سيدلهم على دار الخراب
إذن، فالعلة تكمن في تمسك المواطن بشلة كان خطؤه الأكبر في اعتماد حيثيات انتقاء وأدوات اختيار ليست في محلها، فوضع من حيث يدري ولايدري أقدامهم على كتفيه، فتدرجوا بالصعود عليهما بعد أن تمكنوا منه حكما وقانونا، ولم يأبهوا لمصيره بعد أن رفعوا شعار؛ (أنا ومن بعدي الطوفان). وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فقد تمادى المواطن في بغيه -المقصود او غير المقصود- على نفسه، وأعاد الكرة ثانية في عرس الانتخابات الثاني، واتبع الأسلوب ذاته بأخذه المعايير ذاتها، واعتمدها في وضع علامات الـ (صح) في الورقة الانتخابية، أمام الشخص غير المناسب، فخاب ظنه ثانية -كما في الأولى- فحق عليه بيت الشعر:
إذا كان الغراب دليل قوم
يمر بهم على جيف الكلاب
ومازال المسبب الأساس في كل مايتعرض له المواطن هو المواطن نفسه، فبعد أن تحلى بـ “سذاجة” فائقة و “طيبة قلب” فاقت الحدود، تسببت في لدغه للمرة الأولى، وبعد أن مد يده ثانية الى الجحر ذاته وناله ماناله من لدغ، لم يتعظ من إخفاقه في المرتين، إذ راح بكل (….) ليمد يده ثالثة الى الجحر نفسه، وأضحى يدفع ثمن “طيبته” دماءً عزيزة غزيرة تسيل من جسد أخيه او ابنه او صديقه او جاره، في قعر داره، فحق عليه بيت الشعر:
إذا كان الغراب دليل قوم
فلا فلحوا ولا فلح الغراب
والكلام اليوم بات بعد خمسة عشر عاما مكشوفا، بعد أن ظهرت حقيقة من يتبوأون مراكز عليا في البلد أمام الملأ، وتبين خيطهم الأسود الملاصق لخلقهم وأخلاقهم، من خيطهم الأبيض الذي يدّعون به ويخدعون به مواطنيهم، وأظن أول تلك الخيوط وأهمها وأبرزها، هو خيط التصنع والتظاهر بالنزاهة ومخافة الله، الذي حاكوا منه مؤامرات وتستروا خلفه، واستغلوه أيما استغلال ليصب في مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية.
أما المواطن الذي تمسك بتلابيب زيهم الكاذب، وتعلق بجلبابهم الماكر مرات ثلاث، واتخذ من سيماهم التي في وجوههم معياره في التقييم، فإنه بعد تكراره خطئه ذاته للمرة الرابعة، يحق عليه بيت الشعر:
إذا كان الغراب دليل قوم
فعيب القوم لاعيب الغراب