لو استبدلت كلمة الأفيون بكلمة اخرى مثل ، (مُزيل القلق) أو (مانح التوازن) ،أو (ضالة المضطهد) ، لكانت عبارة ماركس الشهيرة ( الدين افيون الشعوب ) من أعظم الاوصاف المناسبة لتأثير الدين في المجتمع ، ولقيمته في حياة الانسان بعد أن بذل جهدا كبيرا عبر التاريخ كي يصل الى قناعات بان قوى محددة تحرك هذا العالم المدهش وتسيّره، ولتجمّد لديه اسئلة ساحقة تكاد تلقي به الى الجنون . لستُ هنا في موضع تسويق مغاير لما أشيع عن معنى عبارة ماركس، المفكر الثائر الذي شغله سؤال : كيف يعيش الانسان ؟ اكثر مِن البحث عمّن خَلقَه؟ فقد تحدث الكثير في هذا الجانب عن كيفية اقتطاع هذه الجملة من سياق رأي مفصّل للرجل حول الدين بوصفه ضالّة الفقير المضطهد وحسْبه في عالم لاشفيع له فيه عند الاباطرة وتجار العبيد ، ولا أقرب تشبيه لديه في سياق ذلك من مادة (الافيون) التي كانت انجازا نبيلا في الطب بدايات القرن التاسع عشر ، حيث استٌعين بها مسكّنا فعّالا للآلام في العمليات الجراحية والسرطانات المستعصية . قبل ان تتصنّع منها مواد استخدمت استخداما شاذا مثل المورفين والهيرويين .ويرى الكاتب ضياء حمو في تحليل حصيف حول ماركس وحروب الافيون بين الدول الاوربية والصين وملابساتها .. “ان هذه الكلمات الثلاث (الدين افيون الشعوب ) ” أنتزعت بمنتهى الخبث والذكاء من جملة تامة، على طريقة لاتقربوا الصلاة ..!حيث ورد النص باللغة الانكليزية في كتاب ماركس (نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية) عام 1844 على النحو التالي :� : (Religion is the sigh of the oppressed creature, the heart of a heartless world, and the soul of soulless conditions. It is the opium of the people ( وترجمتها (الدين هو تنهيدة المضطهد ، هوَ قلبُ عالمٍ لاقلبَ له ، وروحٌ لحالاتٍ بلا روح ، إنه أفيون الشعب ) . وعبارة the sigh of المقصود بها ( آخر ماتبقى للإنسان المضطـَهد – وأين..؟! في قلب العالم الرأسمالي” . فعلا لايمكن مع هذا التفسير العميق لاي متدين او محايد ان يجد وصفا منصفا للدين أكثر من وصف ماركس!! على العكس تماما مما تم ترويجه بانه هاجم الدين ، ترويجا مقصودا كي لايلتفت البشر الى رجل اراد لهم حرية العمل والحياة والعيش بكرامة ولم يمسس دينهم بل تعامل مع المعتقد الغيبي والانشغال المثالي باحترام . وبعيدا عن ماركس والافيون ، كيف سوّق بعض تجار الدين بضاعته. الدين على اختلاف مراحله وانبيائه ، الذي دعى الى العدل والمساواة والتوازن وغمر المجتمعات والشعوب بالتسامح ، وأعان القوانين بالقيم والالتزام الطوعي باحترام الحياة والبيئة وكل ما خلق الله ليديم هذه الارض ، تراجَعَ كثيرا مع الذين تركوا الله وراحوا ينبشون بنصوص مفسّرةً خطأ او لجأوا الى منظرّين معقدين شواذ يتبعهم المغفّلون المقفلون ، اباحوا دم الانسان وجعلوا من الحياة سجونا ومحاذير ومجازر ، وتدخلوا في شؤونه الخاصة والعامة باجتهادات متناقضة ، وحولوا الدين من أفيون مقدس يمنح النفس الامان والجسد الرحمة ، الى خيال من الرعب وانتظار الموعود بحرائقه وسياطه وسلخ جلود العباد مقابل هبات باذخة من الشهوات والاباحية والانفلات الاخلاقي والمجون الذي تحذر منه القيم والعادات والاديان السماوية في الدنيا . حيث تَشكّلَ بفعل ذلك انطباعٌ عن أن افواج المؤمنين العابدين انما هم عابدون خوفا من هول العذاب وليس ايمانا باعجاز الخلق وثناءً على سحرصنيعه وعظمته . وان اولئك الذين يتّبعون الوهم والتعاليم المتناقضة ،الذين يستبدلون الله وانبياءه بمخرفين يفككون لهم النصوص المقدسة باتجاه العنف والكراهية وتهديد الجنس البشري ،انما هم يحوّلون الدين من افيون ماركس الرحيم الى زقوم داعش وسمومه والى المتاهة الوجودية الاولى بدل الاطمئنان والسكينة والرحمة والسلام.