لم يكن المله يستطيع التنفس وهو في غرفة طينية لها نافذة صغيرة تسمى ( الرازونه)، وقد احتشد أكثر من خمسين طالباً بثيابهم المقلمة ( الدشداشه)، وقد اقفلوا مايلي الرقبة بدبابيس، لكن الرائحة كانت قاتلة، انتدب اكبر واحد فيهم ليفتش عن من احدث هذه الرائحة القبيحة، وأمرهم بفتح صدر الدشداشة، ابن المله كان احد الجالسين، راح الطالب الأكبر يشم رائحة كل واحد منهم وحين لم يجد شيئاً يصيح: أفيش.. ( يعني رائحة طيبة)، وهذه الأفيش دليل براءة الطالب، ثم يتعداه الى الثاني ويصرخ ثانية أفيش، الى ان وصل الى ابن المله فخنقته الرائحة القبيحة، ولكنه صاح بأعلى صوته: أفيييييييييش مجاملة للمله وخوفاً من العقوبة التي تنتظره إذا ما قال ان ابن المله هو الذي احدث كل هذه الرائحة القبيحة، ونحن الآن قد عكسنا القول (كل ما يأتي من الجميل جميل)، فصار لدينا (كل ما يأتي من القبيح جميل)، وهذه كارثتنا التي سوف نشقى بها أمام الأمم وسيعكسها تخلفنا وتراجعنا مئات السنين، وقد سمعت نادرة تخص الأفيش، ان احد أخواننا الكرد غادر محافظته ليسكن في بغداد، وقريباً من مرآب للسيارات، لاحظ الحارس ان سيارة لوحتها سليمانية تصبح يومياً وقد أفرغت عجلاتها من الهواء، ويومياً يقع حارس المرآب بمشكلة مع صاحب السيارة، وفي ليلة قرر ان يبقى مستيقظا حتى الصباح، ليقع على سبب هذه البلوى، وبعد منتصف الليل شاهد أخانا الكردي وهو يفتح الولف ويشم رائحة الإطار ويصيح: (أفيش هوه سليمانيه).
هذه المقدمة بأجمعها أوردتها لكي أقول ان الانتخابات مزحة سمجة لا يتقبلها بهذه البنية السقيمة الا شعب قد خسر كل شيء ولم يبق لديه شيء يعطيه سوى مشاركة هزيلة بانتخابات يعرف انها ستكون الضربة القاضية لبلده، خصوصاً وان بعض الوجوه الكالحة بدأت تعد الآخرين من المرتشين وبائعي قضايا زملائهم بمنصب وزير، يعني الأخ ضامن هو رئيس الوزراء.
هذه الكارثة في انتخابات مدفوعة الثمن سلفاً سيكون ضحيتها الفقراء، وسيرقص لها الأغنياء لأنها السبب في بقاء الفوضى الخلاقة بالنسبة لهم، وستكون فوضى انتخابية ستنتهي ببقاء الوضع على ماهو عليه، خصوصا وان جماهير بعض الأحزاب والكتل لا تستطيع تمييز الأصوات مثل الطالب الذي فتش عن الرائحة القبيحة، وستصرخ أفيش لكل مرشح مدني كان او متدين وهم لا يعلمون هذا من ذاك، ولا يميزون نتيجة الائتلافات غير المنطقية، ناهيك عن ان نصف الشعب العراقي صار أمياً وسيعتمد بالمشاركة على موظفي المفوضية وهنا تكمن الكارثة، هذا إذا اعتبرنا ان أميركا وبريطانيا وقراصنة الكومبيوتر خارج اللعبة، أما اذا صدقنا التسريبات فان النتائج معدة منذ الآن ، وهذا تعب لا جدوى منه، كيف لهذه الانتخابات ان تكون ناجحة وهي لم تترشح اليها وجوه جديدة مؤثرة في الساحة السياسية، فقط طعموا تلك الوجوه بشخصيات إعلامية وأخرى غير معروفة ليضمنوا الفوز أمام هذه المجاهيل، وستكون نتيجة عام 2014 هي ذاتها نتيجة عام 2018، سوف نبقى مثل الصديقتين ( اسعيده واحميده)، جاءتها الى البيت وعند انتهاء السمر أوصلت اسعيده احميده الى دارها، ثم عادت احميده لتوصل اسعيده، واستمر الحال على ماهو عليه الى ان بزغ الفجر، أما مراقب المله الطالب الكبير فسيبقى يصيح أفيش.