منذ سنوات والتخطيط والإعداد لحرب إقليمية ذات بُعُد دولي قائماً.. لإسقاط النظام الإيراني.. وإحداث الفوضى الخلاقة.. لإدخال إيران في ربيع “عربي”.. ويبدو إن الانشغال الأمريكي والأوربي السنين الماضية باستكمال الربيع العربي.. أرجأ الربيع الإيراني.. فيما إسرائيل كانت تترقب الأحداث داخل إيران والدور الإيراني في المنطقة.. بينما ركزت دول الخليج اهتمامها ودورها على إتمام الربيع العربي تماماً.
فترة الربيع العربي في خطواتها النهائية.. وبدأت الخطوات الأولى للربيع الإيراني بالعصا الأمريكية.. التي لم يستطع ترامب جذب التحالف الدولي الى جانبه.. كما هي الحال تجاه نظام صدام.. ليس لأن الدول الأوربية لا تريد الدخول في هذا الربيع.. أو أن مصالحها ليس مع تعديل اتفاق البرنامج النووي مع إيران.. بل إن كل الدول الأوربية مع ربيع إيراني.. لكنها ضد ترامب بعينه.
إن الربيع الإيراني.. يبدأ أولى خطواته من الداخل الإيراني.. كما تعتقد الولايات المتحدة.. وأمامها تجربة الحصار الاقتصادي الدولي على نظام صدام!
الربيع الإيراني.. والعراق:
لا يمكن تبديل نظام الحكم في إيران.. قبل ضمان كون العراق حليفاً أرضاً وعسكرة… وتابع وخاضع لأمريكا وخططها!.
يبدو بان الخطة تبدأ من العراق من خلال ما يجري مؤخراً.. وفق إيجاد أصدقاء فاعلين ووجوه جديدة في الساحة العراقية..سواء كانوا سياسيين.. أو اقتصاديين.. وتكنوقراط..و مثقفين.. وصحفيين.. ونخب المجتمع الأخرى.
كما إن جميع المؤشرات عن الحالة في إيران.. تشير الى تصاعد غضب شعبي نتيجة الوضع الاقتصادي المنهار وقمع الحريات الشخصية.. ويعتقد الأمريكان والأوربيون وأكثرية دول العام.. إن إيران قبل الثورة الإسلامية.. شباط 1978.. وصلت الى مطاف الدول المتقدمة والمتحررة فكريا واجتماعياً.. فالربيع الإيراني وفق التصور الأمريكي سينجح بسهولة مع احتمال تجزئة إيران الى مقاطعات.. وهي مقسمة بموجب العرق والأثنية والقومية.
ترامب أعلن مؤخراً انسحاب قواته من سوريا.. تاركاً أمر تصفية الوجود الإيراني وحزب الله اللبناني على إسرائيل.. والبدء بإرسال قواته الى العراق.. وبالأخص الى اربيل.. وإقليم كردستان.. وتعزيز قاعدته عين الأسد في الأنبار.. ولترامب أكثر من 11 قاعدة عسكرية له في العراق.
وبالرغم من أن ترامب يؤكد على الاستمرار بمحاربة داعش والقضاء عليها.. في سوريا والعراق.. إلا أن المعلومات الموثقة انه يحتفظ ب 1000داعشي إحتياط!!
الوضع في العراق الحالي لا يتلاءم مع سياسة ترامب.. فأن سياسة الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي.. وسيطرة كتل سياسية “شيعية وسنية” متحالفة مع إيران.. بل تأتمر بأوامر إيران.. يجعل من الصعب أن تكون الساحة العراقية قاعدة لضرب إيران.. بل ستنقل الحرب الى الساحة العراقية.. بمواجهات مع فصائل عسكرية مدعومة من إيران.
كما إن العقوبات الأمريكية لإيران لم تأخذ مساحتها في العراق.. ولم تطبق بشكل حقيقي.. بل زادت البضائع الإيرانية المصدرة للعراق.. كما إن روسيا والصين وكوريا الجنوبية.. وحتى الهند وبعض الدول الأسيوية الأخرى لم تطبق العقوبات الأمريكية على إيران بشكل دقيق.. كما طبقته كل الدول ضد نظام صدام 1991 ـ 2003.
فيما رمت إيران بثقلها على الكتل السياسية في العراق.. ودعم الحشد الشعبي عسكرياً.. ودعم الثوار البحرانيين والحوثيين.. مثلما تقاتل هي وحزب الله وبعض الفصائل الشيعية في سوريا.. وأقامت حلفاٌ عسكرياً مع روسيا لدعم نظام الأسد وسحق الإرهابيين في سوريا.. كل ذلك حقق نتائج باهرة لصالح نظام بشار الأسد.. الذي بدأت الدول العربية تعيد علاقاتها الدبلوماسية معه.
اليوم تبدو ملامح التصعيد نحو هذه الحرب واضحة.. لكن يبدو إن هذه الحرب.. لن تبدأ سريعاً وتجربة الحرب على نظام صدام ماثلة أمام الأمريكان.. وإن دول الخليج سوف تدفع كامل فاتورة الربيع الإيراني.
المهم : هو معرفة العراقيين لمصيرهم وموقعهم من هذه الحرب.. إذا ما نشبت؟.
الحقيقة الواضحة: هي أن العراق لن يكون محايداً في الحسابات التقليدية.. ليس لأنه يختار ذلك.. بل لأن هذا التحالف يضعه ضمن أهدافه.
الحقيقة الثانية والخطيرة: هي إن موقف العراقيين “الرسمي والشعبي” من هذه الحرب سيكون غير موحداً.. بل يشكل ثلاثة محاور:
المحور الأول: كتل سياسية تمتلك فصائل عسكرية لها.. هي تجسيد حي للقوة الإيرانية في العراق ليس سياسياً واقتصاديا فحسب.. بل وعسكرياً أيضاً.. ولا يتوقف على القوى السياسية الشيعية بل كذلك قوى سنية وقوى كردية كبيرة أيضاً.
المحور الثاني: بعض أجزاء من الكتل السياسية الشيعية.. والسنية.. والكتل الكردية المعارضة “التغيير والاتحاد الوطني”.. إضافة الى الكتل العلمانية.. تدعو الى عدم الدخول في أي محور.. وتطالب بالحياد في هذه الحرب.. التي ليس للعراق فيها لا ناقة ولا جمل.
المحور الثالث: الحرب في مفهوم البعض إنها ليست إلا حربا عنصرية وطائفية.. وبما أن الغالبية العظمى من العراقيين هم من الشيعة.. فسيكون العراق ضمن دائرة الحرب.. فهو مستهدف بشكل وبآخر.. وبما لا يتقاطع والتحالفات الدولية الأخرى.
الشيء المؤكد أن غالبية العراقيين سيتخذون موقفاً وطنياً موحداً في الدفاع عن وطنهم وهويتهم ووجودهم.. بعيداً عن المحاور.. فهل تنجح هذه الأغلبية من إبعاد العراق من هذه الحرب؟.
يشك غالبية المحليين السياسيين بإمكانية إبعاد العراق من هذه الحرب.. فهذه الأغلبية لم تستطيع منذ 2003 وحتى الآن الفوز بالانتخابات البرلمانية ولا في انتخابات مجالس المحافظات.. بل ولم تستطع أن يمثلها حتى وزير واحد في أية حكومة عراقية.. ولا حتى عشرة نواب في مجلس النواب.. ولا حتى محافظ واحد في أية محافظة عراقية.
قد يضطر العراق إلى إعلان حكومة طوارئ في حال تطور الموقف.. للتخلص من الارتباطات المعلومة.. ولا يمكن القبول بعضوية انتماءات في “مجلس الأمن الوطني” تجعل قراراته السرية في متناول يد “العدو”.
أما الولايات المتحدة وأوربا فستبقى في حالة ترقب.. وتنتظر النتائج.. مع بيانات خجولة لضبط النفس لكلا الطرفين.. ودعم خفي للحلف السعودي ـ التركي.. متأكدة أن مصالحها في العراق سوف لن تتأثر.. وهي تستعجل حل الأزمة السورية بما يضمن مصالحها بالتعاون مع روسيا.
من جانب آخر فإن التوازن العسكري بين إيران والتحالف السعودي لن يكون لصالح التفوق الجوي الخليجي.. فإيران تمتلك عناصر قوة وردع كبيرة.. فإذا ما نشبت الحرب تتحول المنطقة الى كرة نار.. والخليجيون أقل صبراً.. وأقل قدرة على تحمل حرب مفتوحة.. ومن الآن سيبدأ هروب الثروات وغيرها من داخل دول الخليج.. وستكون مصر والسودان عسكرياً الى جانب دول الخليج ضد إيران.
أما تركيا فقد لعبت دورها الإقليمي بقوة داخل سورية.. وتواجدت قواتها بشكل كبير في سوريا.. مثلما تواجدت قواتها داخل الأراضي العراقية.. والإطماع التركية تدفع الى الاستمرار والتصعيد.. خاصة إنها تحاول إشعال الحرب في سورية والعراق.. من خلال أدواتها وقوتها داخل العراق وسوريا.
بالتأكيد ستدخل إسرائيل الحرب ضد إيران.. من خلال توجيه ضربات جوية للفصائل العسكرية والمتطوعين المدعومين من إيران في سوريا.. وقد توجه ضربات لحزب الله في البقاع اللبناني.. وقد تضرب المفاعلات النووية الإيرانية.. مثلما فعلت في ضرب مفاعل تموز العراقي في 7 حزيران 1981.
بالمقابل فإيران ستتعامل مع هذه الحرب.. كحرب محدودة.. وتحاول أن لا تمتد جهدها أكثر من العراق.. وسوف تتجنب إن تتوسع بإدخال اسرئيل.. وستواجه أية ضربة من إسرائيل بضربة محدودة.
بقيً أن نقول أن على العراق التأكيد على موقفه الرافض للمحاور.. والتحرك بقوة “دبلوماسياً واقتصادياً.. لإخراج القوات التركية من داخل الأراضي العراقية بسرعة.
كما إن على الحكومة مصارحة العراقيين بوضعنا.. مع التأكيد على أن الموقف في العراق سيشهد تصعيداً من الآن.. وسيشهد العراق أياماً صعبة مع تدفق الإرهابيين.. ويعتقد الفريق الركن المتقاعد وفيق السامرائي في مقاله المنشور على صفحته: “إذا اشتعلت حرب إقليمية مباشرة.. فلن يكون العراق محايداً.. إن على الحكومة العراقية تركيز الانتباه الى حدودها مع إقليم كردستان.. والتذاكر مع إدارة السليمانية لتحجيم الاندفاع.. ومن الخطأ الاندفاع عسكرياً نحو الموصل حالياً”.