18 ديسمبر، 2024 8:17 م

أفندي وشروال وعمامة

أفندي وشروال وعمامة

منذ عدة شهور واصحاب العقول المحدودة، مشغولون جدا بالصراع الدائر، بين اشرار ما يسمى بالعملية السياسية. وعلى وجه الخصوص بين مقتدى الصدر وميليشياته المسلحة من جهة، ونوري المالكي وقادة حشده الشعبي المسلح من جهة اخرى. ظنا منهم بان انتصار مقتدى سيخرج العراق من جهنم الى الجنة! في حين تجاهل العراقيون هذا الصراع، واعتبروه عركة حرامية لتقسيم المناصب والسرقات. او كما وصفوه في بيت شعر باللهجة العامية يقول: أفندي وشروال وعمامة.. والبوك راح يصير للهامة. في إشارة الى أسماء المكونات الثلاثة التي وضعها المحتل قيد الشيطنة سياسيا، سني وشيعي وكردي.
اما الادعاءات التي يروج لها هؤلاء الأشرار، ويردد صداها ذيولهم القدامى والجدد، من الانتهازيين والوصوليين والمنافقين، لتجميل وجوههم الكالحة، فهي ليست سوى مجموعة أكاذيب مفضوحة. والا ما معنى الصراخ حول تشكيل حكومة اغلبية، وفي الوقت نفسه يشارك فيها، جميع الكتل الفائزة والخاسرة، وكل الفئات والأديان والمذاهب والقوميات؟ ام ان استبعاد حرامي واحد مثل نوري المالكي من الحكومة الجديدة، تجعلها حكومة اغلبية، ليصبح المالكي وحده ممثلا للأقلية؟
وما معنى حكومة وطنية، وجميع أعضائها من ذات الوجوه الكالحة، الذين تسلقوا الى السلطة بسلم الاحتلال، وتحت قيادة حاكمه المدني بول بريمر؟ الم يعلن الصدر بان لا مكان للقادمين الجدد من المستقلين في الحكومة الجديدة؟ ثم كيف يمكن للحكومة المرتقبة من الخروج على المحاصصة الطائفية والفساد، بعد ان حمتها مواد دستورية ملتوية؟ الم يكتب هذا الدستور نوح فلدمان الأمريكي من أصل صهيوني، بتكليف من قبل المحتل بهدف تدمير العراق دولة ومجتمعا؟ ام ان المواد التي اضيفت او التعديلات الشكلية التي جرت عليه، من قبل لجنة عراقية، حولته بقدرة قادر، من دستور محتل الى دستور وطني؟
ثم كيف ستحاكم الحكومة الجديدة الفاسدين، واعضاؤها ممثلون لرؤوس الفساد وحيتانه؟ اليس مقتدى الصدر ومسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر وهادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وبقية الشلة، هم من خريجي جامعة المحتل للفساد بدرجة امتياز؟ بالمقابل نسأل أيضا، كيف لهذه الحكومة ان تكون لا شرقية ولا غربية، وقائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاءاني يجتمع علنا بقادة الكتل الفائزة والخاسرة، ثم يهرع بعدها الجميع لعقد اجتماع لمناقشة المطالب الإيرانية؟ ام ان هذه الصفات الرنانة التي أطلقت على الحكومة القادمة، كافية لمنحها صفة الاستقلال ورفض التبعية؟ اليس ما يفعلون اشبه بما يفعله الحواة؟
هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها عرض مثل هذه المسرحية البائسة. فقد سبق وتم عرضها على الجمهور العراقي مرات عديدة وافتضح امرها. فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الصراع الذي دار بين نوري المالكي من جهة، ومسعود البرزاني واياد علاوي ومقتدى الصدر من جهة اخرى في منتصف عام 2012. بسبب انفراد المالكي بالسلطة، من خلال تقزيمه لشركائه، وخاصة ما يسمى بالمكون السني، واتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالإرهاب وهروبه الى شمال العراق ثم لجوئه الى تركيا.
ونذكر أيضا الصراع الاخر حول محاولة سحب الثقة من المالكي، الذي قاده مقتدى الصدر، ثم تراجع عنه بأمر إيراني علني، لينتهي الى التراضي تحت شعار أطلقه رئيس الجمهورية حينها جلال الطالباني، لا بديل للمالكي سوى المالكي. بل ان أحدهم المدعو “عباس البياتي” ذهب ابعد من الطالباني وقال: لو مات المالكي او قتل نستنسخ من جيناته مالكيا جديدا!
اما الصراع الأكثر اثارة والأكثر تشابها بما يجري اليوم، فهو الصراع الذي دار، بين قطبي الرحى حينها نوري المالكي واياد علاوي، وعلى وجه التحديد في منتصف عام 2011. والذي دفع الناس الى درجة التوهم بان حربا ضروسا ستندلع بين الطرفين. حيث أصدر علاوي بيانات نارية اشبه بالبيان رقم واحد في الانقلابات العسكرية، توعد في أحدها بالقصاص العادل من المالكي وحزبه، ووصفه هو وصحبه الأشرار بخفافيش ظلام، خربوا البلاد والعباد وفسحوا المجال لإيران بالهيمنة على العراق ومقدراته”. في حين كان رد المالكي أكثر قوة. حيث اعتبر تصرف علاوي بمثابة بداية نهايته، وهدده بإصدار امر “باعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة الارهاب والتآمر على الوطن”. لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، وعاد كلاهما لمستنقع عملية المحتل السياسية.
الشيء الجديد في هذه المسرحية، ان صراع اليوم أصبح مكشوفا أكثر من المعهود، وأكثر صراخا وعويلا. وان المتصارعين لم يعد يهمهم ردود الفعل، لا من قبل الشعب ولا من القانون. بل لم يتوان هؤلاء الاشرار عن توظيف الدم العراقي في هذا الصراع، بعد ان كان مقتصرا على تبادل الاتهامات والشتائم المبتذلة، او التهديدات بكشف ملفات الفساد او جرائم القتل. اذ لا يمر يوم دون حدوث تفجيرات او السماح للمنظمات الارهابية بقتل الأبرياء، او حدوث هجوم على هذه القرية او تلك. او قصف مطار او مقر وزارة او سفارة.
ترى إذا كانت هذه الصراعات مفبركة وتنتهي عادة الى التراضي فما الحاجة اليها اذن؟
أصل الحكاية، ان المحتل عادة ما يلجا الى هذا السيناريو الجاهز، كلما واجه مشكلة، او وقع في مازق او تزايد حجم الاستياء الشعبي ضده، مثلما يلجا اليه كلما اراد تحقيق هدف يصعب تحقيقه، او تمريره في جنح الظلام. فقد اثبت هذا السيناريو فاعليته في اشغال الناس، والتقليل من اهتمامهم بالشؤون الاخرى حتى إذا كانت مهمة. خاصة وان المواطن بعد ان فقد القدرة على التأثير في الاحداث، يلجا الى المراهنة على مثل هذه الصراعات على امل ان يجد فيها مخرجا.
لكن هذا ليس كل شيء، فالمحتل يلجا الى هذا السيناريو في محاولة لأقناع الناس بصحة او مصداقية ما يقوم به من خطوات لتكريس الاحتلال، مثل بناء النظام الديمقراطي، حيث الصراع هنا بين الكتل والاحزاب دليل قاطع، كما يدعون، على الديمقراطية التي ينعم بها الشعب العراقي بعد سقوط الديكتاتورية! لتمرير الاتفاقات المذلة. وخير دليل على ذلك، ما حدث حول تمديد فترة وجود قوات الاحتلال، التي اخذت وقتا طويلا للنقاش المفتعل، ما بين موافق ورافض للاتفاقية.
ثمة امر اخر تجدر الإشارة اليه متعلق بهذه المسالة ولا يجوز اغفاله. وهو اختيار المحتل لمقتدى والمالكي لأداء هذه المهمة، كونهما الاكثر قدرة على اداء المهمة بنجاح، حسب وجهة نظر المحتل، لما يتمتعان به من ثقل كبير داخل العملية السياسية، او كونهما يشكلان، كما يقال، قطبي الرحى لهذه العملية السيئة الصيت والسمعة. وبالتالي فان الصراع بينهما يكون أكثر اثارة من بقية الصراعات، التي تدور بين الاخرين. ولتحقيق مزيد من النجاح وتشجيع الناس على الاشتراك في هذا الصراع، ما بين مؤيد لهذا الطرف او ذاك، اضفى المحتل زورا الطابع السياسي والوطني على هذا الصراع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سرب المحتل اخبارا حول تكفل حكومة الاغلبية الوطنية بأنهاء النفوذ الإيراني. في حين سرب في الوقت نفسه، اخبار عن شق الإطار وعزل المالكي تمهيدا لمحاكمته ونيل الجزاء العادل، مثلما اشاع بان مقتدى سينهي التدخل الإيراني الى اخر هذه الترهات.
هذا الكلام لا يدخل في خانة نظرية المؤامرة التي يلجا الى ترديدها العاجزون عن الرد، او الدفاع عن وجهة نظرهم. فهناك من الاسباب والدواعي ما يعشي البصر ويدفع الامريكان الى ولوج هذا الطريق، رغم علمهم بصعوبة نجاحه، جراء إدراك العراقيين لما ينطوي عليه من خداع وتضليل، وجراء خبرتهم الواسعة في اساليب من هذا النوع. حيث المحتل، وفي الآونة الاخيرة على وجه التحديد، قد واجه حالة من الغليان في الشارع العراقي تمثلت في ثورة تشرين واحتمال تطورها الى ثورة مسلحة.
ان اشتراك هؤلاء الأشرار في مثل هذه المسرحيات البائسة لخداع العراقيين، يدل بشكل قاطع على انهم مجرمون، لا يمتلكون ذرة من الغيرة والشرف والاخلاق. وانهم على درجة من الغباء لا يحسدون عليها، لأنهم حتى لم يسعوا الى ذر الرماد في العيون، بإظهار قدر من الاهتمام حتى وان كان ضئيلا، بمطالب الحد الادنى للناس كالماء والكهرباء، لا ان تنصب جهودهم على التسابق لكسب تأييد الأجنبي لتسمية الكتلة الأكبر، كي تضمن لنفسها حصة الاسد من جسد العراق الجريح، او كما يسمونه، دون حياء او خجل، من الكعكة العراقية. الم يتوجه بعضهم الى طهران مثل نوري المالكي وصحبه الأشرار لهذا الغرض؟ ويتوجه مقتدى الصدر وحلفاؤه من حلبوسي ومسعودي الى دويلات الخليج العربي، مثل قطر والامارات والسعودية لكسب تأييدها؟
لقد بعتم يا معشر الاوغاد الوطن ودمرتم البلاد والعباد وسرقتم قوته اليومي وانهيتم التعليم وقضيتم على الصحة الى درجة أصبحت فيها المستشفيات الحكومية مرتعا للكلاب والجرذان. لكن يوم القصاص العادل نراه قريبا وترونه بعيدا؟ يوم اشبه بيوم الحساب في سورة النور اذ قال تعالى: “يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون”. صدق الله العظيم.