18 ديسمبر، 2024 6:04 م

أفغانستان والحزن وابتكار الأمل

أفغانستان والحزن وابتكار الأمل

لقد حزنت عندما رأيت امرأة أفغانية وهي تركض خائفة وتقول : لقد دخلوا المدينة وهي تقصد طالبان , ومشهد القصر الرئاسي وهم يتجولون برشاشاتهم , هذه المشاهد تكررت في تأريخ البشرية , اليوم قرأت في المجلة التأريخية كيف أن المقاتلين الفايكنغ الأسكندنافيين دخلوا الى إسبانيا والى فرنسا ومافعلوه من نهب وحرق وسبي للنساء , تعال الآن معي وشاهد الدول الإسكندنافية وكيف هي أحوالها بشأن المرأة والجنسية المثلية وحقوق الإنسان وحرية التعبير الخ بل حتى الحاجات الأساسية في سلم ماسلو للحاجات , رأيت رجلا ً ملتحيا ً من طالبان يقرأ سورة النصر : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ً , هو يتعامل مع أبناء شعبه ككفار قد دخل عليهم ليس بزهرة بل برشاشة , ماحصل في أفغانستان هذا متوقع , أميركا لماذا لم تحدد لنا من هم المسؤولون عن أحداث 11 سبتمبر وتقدمهم للمحاكمة أو حتى تعاقبهم ( في الحقيقة هي حددت لنا ابن لادن وكانت طالبان هي الحاضنة له ! ) ولكن بدت أفعالها وكأنها انتقام من الشعب الأفغاني وقد كتب بعض الشباب الواعي الأفغاني بما معناه : أن أميركا باعتنا الى طالبان وباكستان وهم أي الشباب الأفغاني يعترفون بفساد الحكام الذين هربوا , لقد قامت بقصف همجي وحشي على العاصمة بغداد وقد ذهب جراء القصف الكثير من الأبرياء وهي لايمكن أن لاتتحمل المسؤولية عما جرى هناك وكذلك ماذا فعلت في أفغانستان , هل بالقوة فقط يمكن تغيير الوضع أم بالتنوير والمعرفة والتعليم أيضاً , الذي حصل أنها جاءت بكرزاي وبقية الساسة الفاشلين الفاسدين وآخرهم الرئيس الذي هرب , ماذا فعلوا بكل الأموال التي صرفت في أفغانستان ولماذا بعد كل هذه التضحيات من قبل الشعب الأفغاني وتضحيات الجنود الأميركيين نرجع للمربع الأول ؟ هل بنيت المدارس والمستشفيات , هل بنيت المكتبات , هل تم تأهيل المرأة والرجل في أفغانستان ؟ كل هذا لم يحصل والذي حصل أن أميركا كانت تقصف وبهذا القصف العشوائي كانت بعض القرى يحصل لديها الدمار وهذا دفع الكثير للمشاركة مع طالبان لغرض الإنتقام , منطق القوة ثبت فشلة , الأساس هو التغيير العقلي والعلمي على أرض الواقع , مشهد المطار في كابل والفوضى فيه يشبه ماحصل في فيتنام , القوة وحدها لن تغير الأفكار ولن تغير المجتمع الجاهل والذي لديه تخلف معتق منذ آلاف السنين حيث العنف وحكم الشريعة نقيض مدونة حقوق الإنسان وهي أفضل من كل الشرائع السماوية بل الجاهل والواهم يحتاج الى وسائل تأهيل وتعليم وتنوير , أوروبا نفسها استغرقت ثمانية قرون كي تتحرر من الدوغمائية الدينية والعقلية الأبوية القمعية السلطوية , لهذا أعتقد الأفغانيين لن يفيدهم حزننا بل يفيدهم تضامننا الانساني والمعرفي معهم
من خلال نشر كتاباتهم وفنونهم والتعريف بتأريخهم كذلك على منظمات حقوق الانسان في العالم أن تسلط الضوء على مايجري هناك ولاتسمح للوحش الطالباني أن يفتك بالمرأة والأقليات وأن يدمر الحياة من خلال طرح البديل لهذا المشروع الاسلامي المعاد للحداثة والعلم والعقل , رغم المشهد المؤلم الا أنه في داخل الظلام ثمة ومضة ضوء هي نزعة الحقوق والحريات التي تنتشر الآن بين الشباب والشابات في العراق وسوريا والأردن والجزائر وتونس والسودان ولبنان ومصر والمغرب ودول الخليج , وهذا الذي يحصل ليس جوهريا ولا قدرا ً لايمكن الخلاص منه حيث يتم مقابلة الجهل بالعلم والوهم بالحقيقة والخرافات بعلم الآثار ونظرية التطور والتحليل النفسي هناك إنجازات انسانية ينبغي للبشر التضامن على الوصول اليها وليس العيش على هامش التأريخ والعصر , آمل أن يأتي يوم ويثور الشعب الأفغاني على طالبان ويتخلص من هذا الحكم الهمجي العنيف وكذلك تحرر الشعوب الإيرانية من حكم ولاية الفقية وتستعيد ثورة تشرين في العراق زخمها من جديد , الأمل هو جزء من الحياة , والإنسان الحر يقرن الكلمة مع الفعل ويتحدى الحياة والموت معا ً وكما يقال في المثل الصيني : بداية الميل خطوة , كيف ؟ عندما تحصل ثورة فكرية ويتم ربط الجسور مع العالم المعاصر وربط الجسور مع ماهو إيجابي في تأريخ الوطن ونقد ماهو سلبي والحوار اللامتناهي بدل الإنتقام والعنف , وكذلك طرح فكرة فصل الدين عن الدولة ومنع عقوبة الإعدام ومنع الإنتقام والعقوبات وتشجيع التأهيل والتطوير ومنع كل ماهو مؤذ للفرد والحريات الفردية , وأن يكون الوطن من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل الوطن وأن يكون الدستور علمانيا ً وترسيخ دولة المواطنة , مواطن حر في مجتمع حر ,
لقد علق الأستاذ سعيد بن جبلي على الأحداث وأجد ماقاله جدير بالذكر : ( يوم أمس تشبت ثلاثة شبان أفغان بعجلات طائرة وحلقوا بضع لحظات في السماء قبل أن يسقطوا إلى الأرض وتتهشم عظامهم. على عكس المغاربة الذين يهربون من بلادهم بسبب الفقر والأفارقة الذين يهربون من الحروب. فإن الأفغان يريدون الهروب من بلادهم بسبب الإسلام. حيث انتصرت حركة طالبان الإسلامية المتشددة على القوات الأمريكية وحلفائها الأفغانيين. وحيث ستعود الشريعة الإسلامية لتسود كقانون همجي من القرون السوداء يزوج البنات في سن السادسة ويمنعهم من المدرسة ويمنع المرأة من الخروج من المنزل بدون رجل يرافقها ونقاب يغلفها وكأنها صرة أزبال. سيقومون بإعدام القاضيات والطبيبات في الشوارع وسيجلدون كل من أظهرت جزءا من وجهها أو شعرة من رأسها. وسنرى جميعا في الأيام القليلة الماضية كيف كرم الإسلام المرأة ورفع من شأنها.