19 ديسمبر، 2024 12:01 ص

أفراس الأعوام .. رواية لزيد الشهيد تكشف عن اسرار مدينة

أفراس الأعوام .. رواية لزيد الشهيد تكشف عن اسرار مدينة

تاريخ مدينة في سرد , وحياة مجتمع لبلد يتجسد في عمل أدبي من خلال قرية كبيرة مكتنزة بالاحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية والرومانسية وطباع افراد انشطرت بين البداوة والعشائرية , لتظل تصارع الذات والمحيط على الرغم من المتغيرات الكبيرة التي حصلت خلال عقود من الزمن .
غير ان الرتابة والانكفاء ظل هو السائد في المجتمع . فليس ثمة متغير يؤثر بشكل دائم .. واستمرت التقاليد الموروثة والطقوس هي المهماز الذي يسيطر على سلوك الافراد , واذا ما تجرأ أحدهم ان يختلف عن الاخرين قأنه يكون محل نقد لاذع وغربة تتطلب التحدي وتحمل كلمات الاخر الراكد وسط بركة الموروث , وذلكم ما حصل مع جعفر حسن درجال بطل العمل الادبي ارائع ( افراس الاعوام) الرواية التي كتبها الاديب الكبير زيد الشهيد .. وتناول فيها حياة مجتمع ومدينة كابية تسكن بين الصحراء والماء , وتعيش الصراع بين البداوة والمدنية بأسلوب غاية في الروعة ووقائع تنقلك من الاحتلال العثماني الى الاحتلال الانكليزي .. والقضاء على الملكية وقيام الجمهورية وقبلها الثورات والانتفاضات التي حصلت في المدينة واطرافها من العشائر المنتفضة على الانكليز بين الحين والاخر.. والاعمق تناول العواطف والمشاعر والرومانسية واللغة الشعرية التي تتفجر بين جعفر حسن ووهيبة , والتي تشبه سمو العواصف واللغة التي تناولها الروائي عبد الرحمن منيف في قصة حب مجوسية .. (كانت هي! .. هي ! وهيبة .. تتقدم فينفرج السوق وتتسع مساحته , وتتضاءل الاصوات , ثم تصمت , ويغيب الناس ويتلاشون فلا تبقى الا هي وامتها تخطوان على ايقاع الاستقبال العذب , والبهجة المتراغية . توقفاً عند دكان هناك وتحركاً الى دكانٍ هناك . ولم يرسيا الرسو الطويل الا عند عتبة محله .. ابتسامتان متشابهتان وتحيتان منغمتان , وموجات ود تقاطرت من الوجهين إزاءه المتأنقتين العذبين . بدتا ازاء كما لو كانتا بعمر واحد (إيه جعفر .. هي الان امامك بكل ربيعها النضر , وصفاء سمائها الباهرة , وألق عينيها البحريين .. انثر امامها عظم شوقك , وعميم لهفتك , وافتح مسارب القلب لتتجول فيه ) .
لم يكن جعفر رومانسياً فقط بعيداً عن الاحداث التي وقعت في احياء المدينة من معارك وصراعات لبسط نفوذ الوجهاء . من اللذين برزت وجاهتهم على قتل البسطاء وسلب اموالهم وطمر حقوقهم .
 ان زيد الشهيد بسرده الحائز على الجائزة الاولى في مسابقة الرواية التي اقامتها دار الشؤون الثقافية العامة عام 2011 وقامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بطبعه ويقع بـ 330 صفحة من الحجم المتوسط يكشف عن امكانية فنية مميزة في صناعة الفن الروائي ..
هو البعيد القاطن في مدينة قصية عن العاصمة بغداد ليبزغ نجماً في سماء الادب العربي فهو لايختلف عن أحلام مستغانمي وحنا مينا واخرين غيرهم من الادباء الذين جسدوا تاريخ بلدانهم ونضالات شعوبهم بأعمال أدبية روائية وشعرية .
بدءاُ من ثورة العشرين وانتهاء بثورة 14 تموز عام 1958 والصراعات الذي أخذت مأخذها من حياة الناس واثر البادية على طباع الناس وتقاليد العشائر التي اخترقت عقول الافراد الذين ظلوا يكابدون التخلف والامراض والبطالة وكل اسباب التراجع .
ويتجرأ لمناقشة قضية حساسة وطقوس اخذت حيزاً كبيراً من تفكير الناس (السلاسل تنهال على الظهور بشدة وبايقاع يشتد سرعة وسط انتعاشة المنظمين . وهم يبصرون محبي الحسين ومناصريه يظهرون مواساتهم وحسهم المنشد له كمظلوم تكالبت عليه سيوف الشر فيشعرون بالزهو لما يبصرون , ويحسبون ألم المحبين والمناصرين دلاله نجاحهم كمنظمين . وهم بهذا يحاولون اقناع الله عن طريق ذبيح يحبه الرب ورسوله . فيكسبون هم ولاء الاثنين بدفعهم الى جنان الخلد . ينظر فلا يكتشفهم مرةً يضربون على ظهورهم بالسلاسل , بل يجدهم كالطواويس يتبخترون على آلالم مساكين يدخل الحسين قلوبهم بكل جراحاته وآلامه… ينبثق داخله هتاف المرارة : هم يكسبون الجاه والمقام الاجتماعي , وانتم تحرزون الألم والارهاق , والانهاك , والاعياء . العراق ينز على وجوهكم , وتعرجات الارض تضرب بواطن أقدامكم أيها الحفاة , وظهورهم بفعل انهيال السلاسل الحديدية عليها تنز دماً . انتم تذهبون مسحوقين الى بيوتكم فترمون الاجساد التعبى على افرشة الفقر , وهم يجلسون في ديوانيات جلساتهم يتصدرون المجالس , متحدثين بلسان الزهو عن دماء سفكتموها , وعرق نضحتموه , واداءٍ قدمتموه بكل رغبة واخلاص , وعرق نضحتموه , واداء قدمتموه , بكل رغبة واخلاص  , وتعلق بمن رأيتموه شفيعاً لكم في الحياة الآخرة . الغريب ان لا احد منكم ايها المجهدون سألهم يوماً : لماذا لم نر أبنائكم يشاركوننا ضرب الظهور ؟   ص148 .)
وعلى امتداد السنون التي عاشها جعفر في مدينة السماوه يكشف عن الحب والانسجام بين مكونات المجتمع وتآلف الاديان واستمرار علاقته مع ساسون اليهودي وصديقه الياس من مدينة الموصل .. وصراع الاحزاب ( ولقد اضافت التناحرات السياسية وظهور الاحزاب تضادات وصدامات ومعارك ولعل آخرها ما حدث العام الماضي من الهجوم على مقهى البعثيين في الصوب الصغير , والعبث بمحتوياتها ونهبها ورمي بعض منها في الفرات الذي يطل عليه المقهى ما ولد تشنجات وارباكاً في احياء المدينة جميعاً . وقبلها بأشهر لاتبرح ذاكرة الناس تلك التظاهرة العمالية الحاشدة التي اخترقت سوق المدينة , فووجهت برصاص السلطة وسقط خلالها أحد الشباب صريعاً ثمناً للحرية التي كان يطالب بها . ص231
وفي خضم الاحداث التي عاشها وجربها من خلال اعتقاله وصدور حكم الاعدام بحقه وثله من الرميثة اثر انتفاضة الشيخ خوام ومن ثم انتمائه الى حزب الاخاء .
ترسخت في ذهنه وصايا جدته (لا تثق بمن حولك حتى وان طيروا أمامك عصافير المودة , وزغردوا لك بأفواه الصفاء .. اولئك الذين يهللون لطلعتك هم من يكيدون لتحطيمك , والذين ينشرون إزاء ناظريك عسل الكلام هم مَن يلاحقونك بسكاكين تمزيقك .
تسحب نفساً بعد ان ارهقتها الحماسة :
ــ أما العامة فلا رأي ثابتاً لديهم . انهم يسيرون مع المد وينسحبون مع الجزر ص246
تلك الوقائع التي استمرت حتى إبعاد السجناء الى سجن نقرة السلمان الصحراوي مما جعل المدينة في وضع غير مستقر انعكس على حياة الافراد ومنهم جعفر الذي اتخذ قراراً ان يكون متفرجاً منذ انطلاقه باتجاه الصحراء براءً من تلون الناس هناك . ناس مجبولون منذ زمن بعيد على نفعية بغيضة . دعته الى هجر الناس والذهاب الى الصحراء ورسم حياة البدو لتسكب على لوحات تشكيل أول معرض شهدته المدينة .. ليأتي اليه طارق الضابط الذي نقل الى المدينة وراح يتأمل صورة امرأة ظلت في مخيال فنان عشق أمرأة قبل أربعين عاماً اسمها وهيبة بنت مدير المال الذي هاجر المدينة بعد دخول الانكليز اليها .. طارق سلمه صوره تخطيطيه كان جعفر قد رسمها لوهيبة قال انها أمه التي ماتت , فيما هو يكشف له عن ‘طهر علاقة حب لم تزل مجامرها متقدة في قلبه . الذي اوصاه ان يطلع على وصايا جدته عن مجتمع لم يتغير . بل تعمق شرخ العلاقات فيه .