23 ديسمبر، 2024 1:55 م

(أفراس الأعوام):تاريخ وطن..تحولات مدينة

(أفراس الأعوام):تاريخ وطن..تحولات مدينة

تجذب الرواية عامة مختلف الاهتمامات لموقعها السحري- الفني وقدراتها المترابطة بإمكانيات كاتبها الخاصة وقدراته على استجلاء الظواهر التاريخية واليومية الاجتماعية وكذلك الشخصية ، وهي جنس سردي منفتح على العالم وله القدرة على الاستعانة بكثير من  المكونات الفنية والأدبية التي تقع في منطقة موازية لها، ودمجها في متنها السردي، مما جعل الرواية في كل الآداب القومية العالمية وبمختلف اللغات جالبة للاهتمام ، كونها السجل الذي عبره يتم تدوين مجريات عصور متعددة تاريخياً ويمكن دمجها فنياً مع الحاضر، وفي هذا تأتي رواية ” أفراس الأعوام”** للروائي زيد الشهيد ، والفائزة بالجائزة الأولى في مسابقة دار الشؤون الثقافية/ بغداد/عام 2011 . يتميز القاص والروائي (زيد الشهيد) بتواصله في كتابة القصة القصيرة والرواية ، وله فيهما نتاجات أَثرَتْ السردية العراقية الحديثة بجديتها الفنية وتوجهاتها الموضوعية الاجتماعية – الإنسانية. كما يقدم قراءات نقدية لبعض الكتب والفنون الأخرى والتراجم التي تكشف عن مستوى تذوقه الفني- الجمالي لها. وروايته “أفراس الأعوام” تدخل ضمن الرواية التي تستفيد من سجلات التاريخ فهي تروي بسرد شفاف يتداخل فيه الزمن والتاريخ في العراق ، بالتشابك مع الوقائع العينية للحياة اليومية، ونمط العلاقات المتعالية للفئات العليا في السلم الاجتماعي، وكذلك تكشف مجريات الحياة والمصائر الفاجعة لناس القاع وهي تحاول الإفلات من تلك “اللعنة” الاجتماعية الأزلية من خلال أحلامها بحياة آدمية لائقة بالبشر ، بالترافق مع عملها المنظم عملياً وفكرياً على كل جديد من أفكار ورؤى وممارسات تجعل الحياة ، التي لا تُعاش إلا مرة واحدة ، تتسم بالعدل الاجتماعي- الإنساني دون تمييز. يتناول الروائي زيد الشهيد في “أفراس الأعوام” كل ما مر بالإنسان العراقي من المرارات والعذابات وبعض المسرات ،النادرة جداً ، في مرحلة تكون تاريخه الحديث، الذي هو عملياً النتاج الفعلي للتصور (الكولنيالي) للبلدان التي تعتبر من مخلفات أرث،(السلطنة العثمانية) ،في ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتسجل بعض وقائع الحياة اليومية خلال العهد العثماني بعد أكثر من ثلاثة قرون ونصف في حكم العراق من قبل (السلطنة) المتلفعة برداء الدين الإسلامي، وحكمها الفاسد الجائر الناهب للخيرات العراقية بحجة (إسلامويتها) ، والتي حاولت أن تُحرم حتى النطق باللغة العربية، مع أنها لغة (القرآن)الكريم ، وعدتها جريمة تستحق العقاب. تلك القرون ، المشبعة بالمهانة والإذلال وتحول سكان (أرض السواد) و(الفراتين) إلى أفقر ناس (العالم) عبر (إسلامويتها) المزيفة و المذلة لهم وتراثهم الحضاري. وتسرد(أفراس الأعوام) ، عبر لغة روائية دقيقة ، الأحداث العاصفة التي مر بها العراق قبل ومع دخول القوات البريطانية مدنه ، والمواجهات العسكرية معها وصولاً إلى انكفاء القوات العثمانية منكسرة، مع تشبثها النفعي براية (الدين) ضد (الكفار)، وتأسيس الحكم الملكي، وما رافقه من خذلان متواصلٍ لاماني العراقيين عبر الانتهاكات الشرسة ضدهم والتنكر لأبسط مبادئ العدل الإنساني التي اقرها دستور ذلك العهد ذاته. وتتخذ بعض أحداث الرواية العراق وتاريخه مسرحاً كاملاً لما جرى فيه وله من أحداث عاصفة – دموية ، وكذلك مدينة(السماوة)، والتي رغم انقسامها بين ولاء متشدد للشيخين(فارض العلوان) و(جابر الدخيل) وعشيرتيهما، لكنهما وأتباعهما يتوحدون أمام الخطر الجاثم بالقرب من أسوارها تمهيداً لاجتياحها من قبل وحوش “الوهابية”، سلالات الفكر الصحراوي والقرى القاحلة ، الذين يتصرفون بدافع التشدد الديني – المذهبي و اللصوصية والاستحواذ على الغنائم ، مهما تنوعت أسوة بـ”السلف الصالح” ، بعد أن قذفتهم سنوات الجفاف والقيظ , أبناء الرمال المنكفئة خارج مدن الماء وحضاراتها ،عبر توجهاتهم الفكرية المتشددة من خلال الخطاب المتشدد و العنفي في تكفير المخالفين للـ(السلفيين) في الفهم والفقه والمذهب والموقف والمملوء بزيف تصوراتهم عن عقيدتهم الأخروية ووعودها التلفيقية الكاذبة بالتطهير وتزيين موت اتباعاها، بانتظار(حور عين)، لاستباحة (السماوة) وما فيها،والتي تشكل تحولاتها، اليومية و التاريخية نموذجاً للعراق القادم من ظلام (السلطنة) وانتهاكاتها. وإذ يسعى زيد الشهيد في (أفراس الأعوام) لاستنطاق التاريخ وبعض مساراته وتحولاتها في العراق عموماً ، ومدينة السماوة خصوصاً ، فإن هذا ليس المعنى الوحيد لـ “أفراس الأعوام” وأحداثها ومصائر شخصياتها ، بل هو جانب في نوع من هذه الراويات التي تستخدم مادة تاريخية ما ، وتؤسس عليها عالماً سردياً، فالرواية التاريخية “ليس معناها العميق الحدوث في الزمن الماضي فهي تستحضر ميلاد الأوضاع الجديدة. وتصور بدايات ومسارات قوة دافعة في مصير لم يتشكل بعد.وهي عمل يقوم على توترات داخلية في تجارب الشخصيات تمثيلاً لنوع من السلوك والشعور الإنساني في ارتباطهما المتبادل بالحياة الاجتماعية و الفردية ، كما تمثل بالضرورة تعقيداً وتنوعاً في الخبرة والتجربة لدى الروائي. وتختلف أيضاً عن ذلك النوع من الروايات الاجتماعية التي تتطلب استقراراً. فلكي (تصنع) تلك الروايات (شريحة) من الحياة يجب أن يكون الواقع مستقراً هادئاً تحت مبضع الروائي.ولكن الرواية التاريخية لا تأخذ مجتمعها هادئاً راسخاً تحت عدستها، إنها تدرس تدرجاته وتعدد ألوانه، فهي تواجه مجتمعاً بعيداً عن الثبات والرسوخ. وينتقل الاهتمام بدلاً من التدرجات وتعدد الألوان إلى مصير المجتمع نفسه”./ ويكيبيديا / الموسوعة الحرة- بتصرف. ينفتح المشهد الروائي في بداية “أفراس الأعوام” على (جعفر حسن درجال) وهو في الستين من عمره، ويرى ما يحدث أمامه، ضحى يوم الثامن من آب عام 1959 من” هرج ومرج ، وفوضى لا تُطاق في محاولة الفوز بكرسي أو منضدة أو مزهرية أو شمعة تعليق الملابس أو ستارة نافذة أو مروحة سقفية أو منضدية..الخ ” (ص7 ) تلك الأشياء وغيرها التي تقرر نهبها ، (حلالاً مباحاً شرعاً) ، من مقر” اتحاد الشعب” الواجهة العلنية للـ”الحزب الشيوعي العراقي” في المدينة ، حيث انتظر وتربص به ممن يرون فيه تهديماً للدين وتفتيتاً للمجتمع، لحظة الانقضاض عليه وتهديمه بشراسة، كانت مكتومة، وآن لها أن تتفجر من قبل قوى متعددة ولا يوحدها غير العدوانية تجاهه  ، مع تقاطع مصالحها و أفكارها وانتماءاتها ودوافعها ، لسرقة محتوياته أو تحطيمها ، بعد ما تشمموا رائحة انفضاض الحكومة عنه وحَظر نشاطه بالتزامن مع إصدار بعض المرجعيات الدينية فتاوى  كون “الشيوعية كفر والحاد”.عندها يتأكد(جعفر حسن درجال) بأعوامه الستين أن ما يحدث أمامه من وقائع ما هو إلا إعادة بالتفاصيل ذاتها ليوم  الخامس من تموز ذلك اليوم “الفضي الداكن” في حياة مدينته عام 1917. عندما شاهد الكثير من الناس يغيرون على مباني الحكومة ومخازن الغذاء ودور الموظفين كي يستبيحوها. ثم يتم  شحن كل عائلات موظفي السلطنة، وجلهم من العراقيين ، القادمين من مدن أخرى ، بواسطة (عَبّارة) تمخر نهر الفرات نحو العاصمة، تحاشياً لما ستؤول إليه الأمور في المدينة التي باتت القوات الانكليزية قريبة منها. وقد احدث دخولها اصطفافات جديدة ونِعَماً على من انتهز الفرصة واغتنى من خلال الفوضى العامّة التي اجتاحت المدينة ، إذ بدأ “الرصاص يلعلع طوال الصباح حتى ما بعد الظهيرة والمساء “. تلك الاستباحة التي شملت كل شيء و تجاهلتها القوات القادمة لطرد بقايا حكام (السلطنة) في المدينة ، وكان همها الأوحد المحافظة على سلامتها أولاً. تبدأ تحولات (السماوة) بطيئة غير منسجمة مع رغبة ومخططات الحكام الجدد.لسنا هنا والروائي كذلك ،في معرض الدفاع أو اختراع المبررات و الحجج عن اجتياح العراق من قبل القوات البريطانية ، الذي كان من ممتلكات السلطنة العثمانية الموصوفة بـ”الرجل المريض” على تخلفها وقسوتها ودناءة حكامها مع العراقيين بالذات، ، ونشير في ذلك إلى وجهة النظر الأوربية التي تؤكد انه: ” مع اقتراب نهاية القرن التاسع عشر، ساد الرأي القائل أن المستعمرات المسلمة، في أسيا وأفريقيا، لا بد أن تظلّ تحت الوصاية الأوربية لأنها تدر الربح “(ص/99/ ادوارد سعيد- تغطية الإسلام ). يتغير الحال مع جديد دخل فيها حياة الناس ؛ ماء صافٍ ، أعمدة خشبية للكهرباء في الشوارع، مستشفى للمرضى، صحف جديدة متنورة متعددة قادمة من العاصمة ، وحوارات علنية  في المقاهي حولها وكتاباتها ،دون خوف وخشية، راديوات في المقاهي العامة ، تنقل أخبار العالم البعيد عن مدينة متاخمة للصحراء ، وتشتعل عبر أغانيها أرواح شبابها الغضة ،(تياترو) بشرط عدم تدخل عاملاته في شؤون الزبائن ونسج علاقات مشبوهة سرية و خاصة معهم ، محلات لبيع الذهب، وأخرى لتجارة أنواع البضائع الجديدة الوافدة عبر البحار ، و أماكن لبيع المشروبات الروحية ،ولا اعتراض واستنكار أو تململٍ من أحدٍ ، أو استنكاف في التعامل اليومي مع أصحابها ، مع اختلافات دياناتهم وأعراقهم مع بُعدَ مدنهم التي انحدروا منها للحياة والعمل في (السماوة) التي استوطنوها دون اعتراض ما وباتوا جزءاً في نسيجها الاجتماعي. كل هذا وغيره أحدث تغييرات في الحياة اليومية لمدينة مشارف الصحراء الجنوبية ، رغم الاصطفافات العشائرية، سرية أولاً، مع الوافدين الجدد لحكم المدينة، ثم تحول في الولاءات علناً للمنفعة والتحكم. يشمل التغيير قبل هذه الأحداث “جعفر حسن درجال” الشاب الذي يشارك والده في بيع الأقمشة ويُخطف بدخول أسرة حاكم المدينة، للتبضع، وتعلقه بابنته الشابة(وهيبة) التي” قرأ في عينيها بوحاً غريباً ” تجاهه بعد “أن رأى في عينيها السارقتين لعيني (مَها) بوحاً كأنها تبغي بث شيء يشبه الإعجاب أو التمني”(ص 52) عندها يقرر (جعفر) بروحه المتوثبة التخلي عن الزي التقليدي لسكان (المدينة) مقتنعاً بإرادته الحرة وبفاعلية التمرد على القيود ، والرغبة في التحليق فوقها ، وحريته  التي لا نزاع عليها ، فعمد لارتداء أزياء (حَضّرية) ولم يعبأ (جعفر)، بأي اعتراض ما أو حتى رفض  أسرته ، وهو الرامز للقوى الواثبة الجديدة التي تسعى لتغيير نمط السلوك الحياتي والتوجه الفكري ، لسكان مدينة تطوقها الصحراء ، وينعشها الفرات الذي يشطرها إلى نصفيين ، ولا يفرق بين شبابها وعوائلها دين أو مذهب ما ، فتمتد علاقات(جعفر) نحو الشاب اليهودي (ساسون داوود زلخا) ،الذي يملك  والده محلاً لبيع القماش، و”بعثه إلى بغداد  حين كان فتياً لا يتجاوز الثالثة عشر ليدرس العلوم و(التوراة) هناك”(ص 87 ) والذي يكتشف شجاعة (جعفر) وهو بهذا “المظهر الحضري” ويقوده إلى مسكنهم للتعرف على أسرته ومخالطتها والاطلاع على ” عدد من صور تأتي كدعاية تحتويها(أطوال الأقمشة) والتي يعرضها(ساسون) على جانب بيتهم مشكّلة معرضاً جميلا يقف إزاءه كل يوم فيتيه في عوالمها الجميلة” التي تفجر في جوانح)جعفر) المتوثبة موهبة الرسم. كما تنعش روحه (وهيبة) مع خلسة اللقاء السري على جرف الفرات عصراً بعيداً عن الخوف وانكشاف الأسرار, عبر كل ما يدعو للألفة والفرح والحب بروح الشابين تجاوزاً على المركز الاجتماعي والمكون الطائفي. يشكل جعفر في السرد الروائي القوى الجديدة الناهضة التي تحمل في توجهاتها روح التجدد والتقدم مع معاناتها إنسانياً وخيبتها من الناحية الوجدانية والتي تبقى ترافقه دائماً، ويغدو عضواً في حزب متحرر يحضر اجتماعاته في بغداد ويحاول نقل روح التمرد والحضارة لسكان مدينته ، لكن الإجراءات التعسفية الحكومية ضد قناعات غالبية ناس المدينة تشعل الهيجانات فيها ، و تجابهها السلطات بقسوة وفظاظة وتقود قادتهم للحكم بالإعدام ، ومن ضمنهم الشاب(جعفر) وخلال تغييرات في توازن القوى يفرج عنهم، ومع بزوغ قوى اجتماعية أخرى تحاول زرع مبادئ العدالة في الأذهان والعمل على تمتين روح الانسجام في مجتمع متعدد الانتماءات مع التأكيد على احترام القناعات الخاصة. روى زيد الشهيد في “أفراس الأعوام” التحولات الجوهرية في الحياة العراقية، وقبض بسرده المتوثب المرن على تفاصيل منسية مهملة في تحولات مدينته(السماوة) وتاريخ العراق بأمانة ونثر شفاف ملون عبر استخدام اللغة والحوار و موحياتهما بمسؤولية الصانع المتمكن من أدواته ورؤاه التي يوظف فيها الحدث التاريخي ليس بصفة التكرار بل الاحتفاظ بواقعيته وبانسيابيته التي لا تواجهها أو تعرقلها اللغة المصطنعة. ومع أنه الراوي الوحيد ، لكنه “يحترس” في رسم الإحداث الروائية على هواه ، وكان بمثابة “طيف” في تنقلاته السردية المفعمة بالتلون في الانتقال المرن بين التاريخ ووقائعه بوثائقية لم تثقل النص الروائي بل كانت بمثابة الكوة المنفتحة لتبيان ما يراد السكوت عنه راهناً بفعل هيمنة “التابو الطائفي” الذي يرفعها لمستوى”اليقينيات” السردية التاريخية الكبرى و فُرضت، نفعياً على أفكار وممارسات (مكون) عراقي معين وجعلها تتجاوز، عبر الغلو والاستئثار، حدود “المقدس” مع أن تاريخ المجتمع العراقي يكشف أن لا أساس لها تاريخياً في الوجدان الشعبي العراقي،المنفتح اجتماعياً . ليس وارداً تلخيص كل العالم الروائي المتعدد لـ” أفراس أعوام” زيد الشهيد التي تقع بـ(349) صفحة من القطع المتوسط وتتألف من ثلاثة فصول يبدأ أولهما بما قاله (نيكوس كانتزاكي): “الخطباء الذين يكلمونكم عن الحب ، والساسة الذين يخرقون آذانكم بالحديث عن الوطن والشرف والعدالة، كلهم يثيرون الغثيان” و يتألف من (8) وحدات سردية ، والفصل الثاني يتكون من(10) وحدات سردية ، والفصل الثالث (10) وحدات سردية، بعضها لا يتجاوز نصف صفحة ، ولا انفصال بين مكوناتها النوعية والتاريخية المشكلة لعالم الرواية كونها متشابهة مع الراهن العراقي و ملامحه : النظام الاستبدادي المنهار ومخلفاته ، الاحتلال ومشاريعه ، ارتفاع المد الطائفي الردكالي،محاولة إقصاء دور الدولة الوطنية بقصدية طائفية – قومية، تآكل القيم المدنية ، الأطماع الخارجية. و(أفراس الأعوام)إذ تتناول في ثيمتها وتفاصيلها جزءاً من التاريخ العراقي ونسيجه الاجتماعي المتعدد فإنها  تنهج ” لاستخلاص فردية الشخصيات من الطابع التاريخي الخاص لعصرهم وتضعهم في زمان ومكان محددين مع تبيان ملامح الصراع الماثلة في عوالمهم بواقعية نفاذة ملموسة في الأشخاص والأحداث. لإبراز ضرورة تحويل وضع المجتمع غير المعقول”(م. ن. بتصرف).الروائي زيد الشهيد في “أفراس الأعوام” يهاجر من الحاضر إلى الماضي للإمساك به وبأحداثه المهمة وبنوع من الثبات الفني – السردي القادر على تناول ذلك  أو بعضاً منه، لأن من الطبيعة المهمة للسرد أن يقترب من شؤون الحياة وناسها. ولذا فأن الروائي يضع بعض أحداث التاريخ (العراقي) ومدينة (السماوة) ، سردياً تحت المجهر و”التاريخ الذي يقدمه ليس عن الحكام والغزاة فقط ، بل عن الناس العاديين  الذين تقدم أحداث حياتهم  وسيرتهم صورة أكثر ثراء لما حدث بالفعل”- أمير طاهري- بواقعية متعددة الخطاب الروائي- الفني ، و يُوظف الوثيقة  الدقيقة ، والمهملة بقصديةٍ ، عن القوى الناهضة اجتماعياً  ، وما دفعته من أثمان مأساوية وموجعة ، لقاء عملها وقناعاتها بأن حياة الناس لا تستقيم دون (عدالة اجتماعية- إنسانية) على الأرض التي يعيشون عليها ، ويصنعون تاريخهم عليها كذلك، في محاولة منهم لتغييرها ، و يعمد (الشهيد) لاستثمار الأحداث والوقائع والرصد الأمين لحقبة مهمة من تاريخ العراق الحديث ، وبالذات بعد14 تموز 1958 ، وكشف ما (مخفي) منها بتعمدٍ ، مستثمراً وقائع الحياة اليومية وتفاصيلها في مدينة السماوة والفجائع التي طالت ناسها والمصائر المأساوية والمفجعة لبعض شبابها ، قبل و بعد إعصار 8 شباط 1963 الدموي ،والذي يعد ما جرى فيه وبيانه المرقم(13 ) بمثابة اباداة جماعية، ويمكن ملاحقة الأحياء منهم قانونياً من قبل ذوي الضحايا أمام القضاء العراقي أو المحاكم الدولية، والأقوال المنقولة شفاهاً وتوظيفها عبر الرواة بأمانة ، وهو في ” أفراس الأعوام” الراوي المحايد للأحداث والأزمان(العراقية)المكتظة بالصخب والمتميزة بالقسوة والعنف المتواصل ، وكذلك ما تعانيه مدينته (السماوة) وما جرى فيها من تحولات اجتماعية ، متتبعاً بإمكاناته السردية وخصوصيتها الفنية ، قناعات ( فْـلَـوبير ) الذي رأى:” بان نثراً لا يستجيب لإيقاع الرئة البشرية لا يستحق ذرة من الاهتمام”.                
* فصل من القسم الثاني في كتابي( مقاربات.. في الشعر والسرد). إصدارات مجلة( الشرارة)- النجف- الغلاف للفنان: هاشم تايه.
**دمشق/ دار تموز/ ط1 – 2012 / الغلاف أمينة صلاح الدين.