23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

أفراحُ العِراق وأتراحه … بين الإرث وضياع البوصلة

أفراحُ العِراق وأتراحه … بين الإرث وضياع البوصلة

ما من أمةٍ من الأمُمَ أو شعبٍ من الشعوب إلاّ ولها طقوسها وشعائرها التي تتلائم مع المناسبة ، فللفرح بِكُل عناوينه وتجلياته وصفحاته ، طقوسهِ التي تختلف عن طقوس الحزن والألم … إلاّ العراق ؟؟؟!!!
العراق إستثناءاً من تلك القاعدة حيثُ يتعانق الفرح والحزن وتتشابك أصابعُ السرور والغبطة مع أصابع الأتراح والأحزان كأنهما حالةٌ واحدة حتى إنعكس الأمر على الذائقة الفنية والموسيقية العراقية فنجد الإنسان العراقي لا يُطربه إلاّ طورُ الحُزن ولا يَميد بِكل جوارحهِ إلاّ مع الحِداء الذي يداعبُ شغاف القلب ويُقّطّع نياطه ، إذن هو فرحٌ مؤطرٌ بالترح وغِبطة ٌ مُكللة ٌ بالدمع المسفوح من مآقي العيون على الخدود فما أن يفرح إبنُ العراق حتى يستذكر الجانب المظلم والعكس صحيح ولعل مشاعر الحزن أشد وطأةً وقسوة من كُل ما سَلفْ وهذا الإرث الراسخ في الذات والوجدان العراقي متأتٍ من تتابع المحن التي عصفت على مر الدهور بأهلنا في الماضي السحيق حتى عصرنا الراهن .
لكن الذي يستوقفنا أن تتحول الأفراح إلى مآتم أو تتحول الأحزان إلى المزيد من مواكب العزاء هو ما يجعلنا نتوقفُ طويلا وسنحاول أن نسلط الضوء على إحدى هذه الطقوس المشتركة بين الأمرين وهي ظاهرة الرمي على سبيل المثال لا الحصر ، فهذه العادة من الموروث العشائري كون العراق تسوده الأعراف والتقاليد القبلية والعشائرية حيث كانت العشائر العراقية تجتمعُ عند أمرائها ورؤسائها ومشايخها وأعمدة القوم في المناسبات محاولةً إستعراض ثِقلها وشِدةَ بأسها في مناسبات الأعراس ويقيناً هي من المناسبات التي يعم فيها الفرح وتبتهج النفوس وتنشرح الصدور ويطيب فيها المُقام ففي مثل هذه المناسبات لا تكاد تسمع حوار من يجلس بقربك من هول وشدة وكثرة العيارات النارية التي تُطلق بإتجاه الفضاء … وكذا الحال في (العراضة) التي تُمثلُ شعائر وطقوس توديع المُتوفى إلى مثواه الأخير في مشهدٍ تختلط فيه الدموع بِزّخات الرصاص والحزن بأزيز فوّهات البنادق ، ومن جانبٍ آخر التباهي أمام باقي القبائل والعشائر بقُدرةِ أبناء القبيلة المنكوبة بفقيدها بأنها تحملُ أكبر قَدَر من السلاح وأكثر عدداً من الرجال .
جديرٌ بالذكر أن هذه العادات والتقاليد لم تكن مذمومة حتى زمنٍ قريبٍ كونها كانت تتم تحت ضوابط يُمسكُ بزمامها رأسُ القبيلة أو شيخُ العشيرة الذي يكونُ حريصاً على حصر السلاح بيد البالغين ممن تمرسوا على إستخدامه لئلا يقع المحضور وتزدادُ الضحايا بسبب سوء الإستخدام أو أن يتحول تشييعُ الشهداء إلى مآسي إضافية كما هو حال مدينة الرميثة التي لا تختلف عن أخواتها من مُدن العراق فخلال مراسم تشييع شهدائها أصيب الشاب مُحَمّد كاظم عيدان وهو في ريعان شبابه وربيع عمره بأحد الأعيرة المنطلقة من أسلحة المُشيعين مما أدت إلى مصرعه في الحال فكان شهيداً إضافياً يُزفُ مع كوكبة الشهداء …. أو أن تتحول الأعراس ومناسبات الفرح كفوز المنتخب العراقي أو الفوز في الإنتخابات أو … إلى مآتم ونكبات فلم يَعُد في القوس منزع ولن نشرع في ذكر مَن رحل جراء هذا الأمر فالأمثلة كثيرة والشواهد لا زالت في الذاكرة.
إن الواقع المرير لحالِ بلادنا وإنعكاس الأمر وتداعياته التي أفضت في نهاية المطاف إلى الإنتشار غير المسبوق للأسلحة وعدم إنحسار الأمر وارتهانه بيد المؤهلين لحمله مع استمرار زخم الإرث العشائري في ظِل تلاشي الضوابط وضياع البوصلة خاصة مع عزوف الشباب المندفع المتحمس وتمرده على طاعة أكابر القوم فقد شهدت مُدن العراق الكثير من النكبات والمآسي الأمر الذي نتمنى أن يرعوي شبابنا عن غيهم ويعودوا إلى رُشدهم ويستمعوا إلى زعاماتهم وكُلنا أمل أن يتصدى أولي الأمر وأهل الحلِ والعقد لتوجيه هذه الظاهرة إلى نصابها القويم ونهجها السليم .
يا نارُ كوني برداً وسلاماً على العراق وأهله