19 ديسمبر، 2024 5:11 ص

ربما لم يجد الكثير من العراقيين وسيلة للتعبير عن شغفهم للسلاح وهوسهم بالرمي في الهواء الطلق وإطلاق العنان لهذه الظاهرة الخطيرة أفضل من مباريات كرة القدم سواء كانت وطنية أو أجنبية ولعل الكثير يذكر كيف إن مباريات من الدوري الاسباني أو ما تسمى بكلاسيكو (برشلونة – ريال مدريد ) تجعل الشارع العراقي يغلي بالنقاشات والمهاترات والمعارك حتى بعد نهاية كل مباراة وربما يقوم الكثير بإطلاق العيارات النارية أو الخروج بمسيرات راجلة أو راكبة وهي تحمل نعشا ملفوفا عليه علم احد الناديين للتشفي والتشمت بمشجعي النادي الآخر .

ولا اعرف أي هوس هذا الذي أصابت جرثومته الشباب والكهول والعجائز والأطفال لتنخر عقولهم حتى في الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص ليصل الإفراط  بالبعض إلى الاستهانة بأرواح العباد وتعريض المدنيين الأبرياء إلى القتل العشوائي وكأن قدر العراقيين إن يتعرضوا للإبادة على يدي الجهلة والمتخلفين مع استمرارا استهدافهم العشوائي من قبل الإرهابيين التكفيريين .

وبالرغم من كل التحذيرات التي أطلقتها المؤسسات الحكومية والدينية والاجتماعية والثقافية والكثير من الفعاليات الأخرى والتي تمثلت بانتشار الدعوات لوقف هذا الفعل المستهتر الإجرامي إلا إن الممنوع مرغوب في عقول المرضى والمهووسين حتى لو تكلف ذلك إزهاق الأرواح فلا شيء يكبح جماح المستهترين مع التهاون الحاصل من المؤسسات الأمنية في مسالة تعقب مطلقي تلك العيارات واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بردعهم وردع من تسول له نفسه ارتكاب هذا الجرم المشهود .

ولان الرياضة هدفها ترويح للنفس وإنعاش للجسد وترويض للنفس فان المتخلفين عكسوا كل المفاهيم ليدخلوا الرياضة حتى في ساحات المنازلة الطائفية والسياسية ولتتحول ملاعب كرة القدم ونتائج مبارياتها إلى فرصة لتصفية الحسابات والتعبير عن مواقف غاية في التطرف والبؤس ، وعلى عكس ما يفهم من إن قمة الهرم الرياضي هي أن يتحلى الفرد أو المجموعة بما اصطلح عليه بالروح الرياضية كناية عن المشاعر المنضبطة الإنسانية التي يجب أن لا تفسدها الأجواء الفاسدة الأخرى خارج ملاعب الكرة من حروب فكرية وعسكرية ودينية وقومية وطائفية .

من حق المواطن آن يعبر عن فرحه بانتصار فريقه أو منتخبه بصورة محترمة وتعبر عن ثقافة الفرد والوطن لكن أن يلجأ البعض إلى الإصرار عن التعبير عن ذلك الفرح بالتصرفات الهستيرية والمواقف الانفعالية والتصريحات المتشنجة فهذا الأمر لا يمت إلى الفرح بصلة بل هي مشاعر غاية في التخلف والجهل ولا تعبر عن تاريخ وحاضر الشعب ولا  يدل على الوعي بما يجري اليوم على الساحة العراقية من منزلقات يغذيها الفكر المتطرف وقادته السياسيين والملتحفين بعباءة الدين والمسؤولية والتي تجر البلاد بوضوح إلى نفق مظلم لا نهاية فيه سوى التقسيم كما يروج ويثقف الكثيرون إليه في تصريحاتهم المنفلتة .

وربما يتسأل الكثير عن مغزى الربط بين مشاعر المشجعين ومشاعر السياسيين فأقول أن العزف على أوتار الطائفية واستغلال الأحداث الرياضية لقولبتها في إطار الفكر التحريضي هو أمر يمثل اغتيال للرياضة وفعالياتها التي أثبتت في مناسبات سابقة أنها فرصة لاجتماع العراقيين وتوحدهم في الاحتفال بمنتخب رياضي يمثل الجميع بدون استثناء لقومية أو ديانة أو طائفة وهو الأمر الذي يرجى من خلاله أن تكون الانجازات الرياضية نافذة لإصلاح ما يفسده السياسيون وليس العكس .

لا يمكن للمهوسين أن يبقوا يتلاعبون بأرواح العراقيين مع اقتراب نهاية كل مبارة ينتصر فيها الفريق الوطني أو الأندية الاسبانية لأن استمرار مسلسل إطلاق العيارات النارية يعني استمرار سقوط المئات من العراقيين بدون أي ذنب سوى كونهم ضحايا لهمجية المتخلفين والمنفلتين في الوسط الاجتماعي العراقي وغياب الردع الأمني من قبل الأجهزة الحكومية لهذا التيار الطائش .

أحدث المقالات

أحدث المقالات