منذ انطلاق اتفاقيات كامب ديفيد وتبعاتها، بل وقبلها أيضاً، ونحن نسمع الحكايات السرية أو المعلنة للقاءات بين مسؤولين عرب وإسرائيليين، وكانت تلك اللقاءات تتم في الغالب بترتيب مسبق.
لكن التكتيك الإسرائيلي تغيّر في السنوات القليلة الماضية، إذ أصبحت محاولات الإيقاع بالعرب في فخ التطبيع تتم بالمخاتلة في محفل عام وأمام الناس، بحيث تصبح النتيجة مضمونة لمصلحة المسؤول الإسرائيلي سواء نجح أو فشل في إقناع العربي بمصافحته أمام الملأ. فالإسرائيلي إن فشل فسيظهر أمام شاشات الكاميرا بوصفه (الحمل الوديع) الذي عرض السلام والمصافحة وكسر الجمود وإظهار الاستعداد للحوار والتقارب، لكن العربي (المتوحش) لم يستجب لكل هذه المشاعر الإنسانية الرقيقة وامتنع عن مد يده الخشنة لمصافحة النعومة الإسرائيلية. وإن نجح الإسرائيلي في إحراج العربي وتمّت المصافحة، فستكون هذه بداية المحرقة لهذا العربي في منصات الإعلام، وبالتالي إحداث خلل وارتباك في الثقة بين هذا العربي (المصافِح) ومجتمعه الرافض الاحتلال. وهذا مكسب إسرائيلي أيضاً!
هذه الفخاخ الإسرائيلية للعرب لا تختص بالسياسيين فقط، بل تطاول أيضاً المثقفين والفنانين والرياضيين ورجال الأعمال.
في الأسبوع الماضي، وأثناء تنصيب الفنان العراقي الشهير نصير شمّة سفيراً للنوايا الحسنة في منظمة «اليونيسكو»، تقدّم أحد حضور الحفل من بين الزحام ليصافح عازف العود العراقي/ العالمي ويهنئه بالتكريم مع التقاط صورة تذكارية (مرتّبة بإتقان).
من الغد فوجئ نصير شمة بأن صحيفة إسرائيلية وضعت مانشيت عريضاً تعلن فيه أن الفنان العراقي سيزور تل أبيب وسيقيم حفلات عزف عود فيها. وأرفقت مع الخبر صورة الفنان العراقي مع الشخص الذي التقاه في الحفل بالأمس من بين الجموع. لم يكن ذلك الشخص سوى السفير الإسرائيلي لدى منظمة «اليونسكو»، الذي أفسد على الفنان الرقيق فرحته بالمنصب التكريمي الجديد، إذ تطايرت بعض الصحف العربية، وبالذات الصادرة عن البلدان المصابة بالتطبيع، باختطاف الخبر الإسرائيلي وترويجه، ثم المزايدة على وطنية وقومية نصير شمة الذي عُرف دوماً بمواقفه الوطنية والعربية الشريفة، سواء في وقوفه مع عراق الشرفاء لا الانتهازيين، أو في مشاركاته الفنية والتطوعية لنصرة حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه المسروق، أو عبر دعمه الكثير من المؤسسات الخيرية والإنسانية في الوطن العربي وخارجه.
لكي تكتمل صورة الحدث، من المهم أن تعرفوا أن هذا السفير الإسرائيلي الذي حضر ليستمع إلى المقطوعات الموسيقية الرقيقة من (عود) نصير شمة، هو نفسه الذي حضر اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتم فيه اعتماد القرار الشهير بإسلامية المسجد الأقصى، فقام السفير بشتم المجلس وأعضائه، ثم رفع سلّة الزبالة التي على الأرض ووضعها على طاولته، ثم قام برمي قرار «اليونيسكو» داخل تلك السلة، أمامنا جميعاً، وأثناء جلسة دولية رسمية!
شخصُ السفير الإسرائيلي الذي هو بهذه العنجهية والصفاقة، هل يمكن أن يحضر الحفل ليستمتع بموسيقى راقية حقاً، أو حتى أن يعرف الفرق بين صوت العود وصوت الخشب، أم أنه فعلاً حضر لمهمة محددة، أنجزها بمنتهى الدناءة والإتقان ثم مضى؟!
وبعد، فمن المؤكد أن نصير شمة لن يكون آخر ضحايا هذه المخاتلات، ولذا فمن المهم الاستعداد لمواجهة مثل هذا الفخ المفاجئ وقطع الطريق على الاستحلاب الإسرائيلي لعواطف الكاميرات المصاحبة للحدث، فنحن مستعدون لمصافحة كل يهود العالم المسالمين، لكننا نرفض مصافحة إسرائيلي عدواني واحد.
نقلا عن الحياة