18 ديسمبر، 2024 8:11 م

أغرد خارج السرب في باص الركاب

أغرد خارج السرب في باص الركاب

كان الجو ممطراً جداً المطر يهطل علي كالسهام ,وبرغم كل ذلك لم يثني من عزيمتي في التوجه لأداء زيارتي للإمامين (موسى بن جعفر ومحمد الجواد .ع) ,كان من المفترض أن استقل سيارة أجرة خاصة ,فارتأيت أن استقل سيارة الكيا عوضاً عن سيارة التاكسي للعودة الى البيت,وعندما ركبت وجدت المقاعد بحالة مزرية والأوساخ تملئ السيارة بمعنى اصح انها غير صالحة للاستعمال الإنساني ,ومن هنا بدأت القصة مع الجالسين في الباص (الكيا )
فقلت للجالسين : دعونا نخرج منها ونستقل كيا أخرى تكون اكثر نظافة وراحة منها نحن ندفع الأجرة وليس لصاحبها منةً منه علينا بها ,ثم أضفت في حديثي لهم لماذا تقبلون بأن تجلسوا بهذه المقاعد المتسخة والملوثة؟ أخرجوا منها ودعوها له يشبع منها ..أو لم تعلمون أن الحسين ع.يقول هيهات منا الذلة ،فأي ذلة هذه بعدها تعالت أصواتهم بأن يتركوا السيارة … فبدأت بنفسي بالنزول لأكون سبباً لهم في تجرأهم على التغيير … وقفت أنتظر نزولهم فلم أجد واحدا منهم بادرة للنزول وارتضوا بهذا الجلوس المهين ..
وكأنني كنت أغرد خارج السرب فهم في واديٍ وانا في واديٍ آخر ,ثم أوضح أبو محمد الذي كان جالساً في صدر الكيا وجهة نظره قائلاً : صحيح التغير مطلوب ولكن ما باليد حيلة فقد تعبنا من التضحيات وتقديم ما نستطيع تقديمه ، ثم أنني مارست الإيثار ولم احصل حتى على قوت يومي .
أما أبو تحسين وهو الجالس في آخر مقعد كان له مبرره من عدم النزول موضحاً ذلك بقوله : أن الثوابت والمبادئ ليس لها وجود في حياتي وكلفتني الكثير من التنازل عن حقوقي أما الآن مبادئي وثوابتي فهي تقف عند كراج علاوي الحلة وباب المعظم .
فجاء دور أم علي وهي امرأة كبيرة عليها علامات التعب تحفر في وجهها كأخاديد أنهار علقت بعدم اهتمامها لما طرحته قائلة : يا بني لقد قدمت ثلاث شهداء لهذا الوطن وترك لي الزمن أرامل ويتامى ينظرون للشارع عسى أن يأتي أبائهم ولكن الذي يرحل لن يأتي ,فقط ذكريات أليمة بقيت منهم ولا زلت أصارع الحياة لأجلهم بحثاً عن رواتبهم وحقوقهم الضائعة ..
وتساءلت مع نفسي ان اغلب الوجوه الموجودة في الكيا كانت تتمسك بشباك الإمامين وتطلب من الله القوة والعزيمة بحقهم ،فلماذا هذا الخنوع والرضوخ والقبول ،كيف سنتصدى لفاسد وسارق يتلاعب بمقدرات الناس وهو يسرق في وضح النهار دون خوفا ووجل .. وعند سماعي لقصصهم الحزينة المؤلمة والمبكية أدركت أن بيت العبادة لا يكون إلا بإشباع بطون الجياع وتأمين قوتهم وتوفير مستلزمات حياتهم .