عرف العرب ومنذ القدم بان تكن للضيف منزلة وحرمة خاصة لديهم وقد تفاخرت وامتازت القبائل كما يذكر ارباب السير والتاريخ بأيواء الضيف واكرامه وبذل كل مكارم السخاء والعطاء وروح التفاني في تقديم كل ما هو مرضي ومحبذ للضيف عندهم حتى قال شاعرهم :
ياضيفنا لو جئتنا لو جدتنا
نحن الضيوف وانت رب المنزلِ
وهذه الابيات الشعرية اكيداً لم تأتي من فراغ بل جاءت معبره عن خلجات الفرد العربي الاصيل لانه في قوله يريد ان يوصل رسالة عظيمة وكبيرة تتعدى موضوع تقديم المأكل والمشرب فقط بالعكس فراح يقول ( وانت رب المنزل ) اذا سوف يترتب على الضيف حينذا كل الحقوق التي يتمتع بها صاحب الدار نفسه وهو شيء يستحق الاشادة به والتوقف عنده .
كان يهون عند الفرد العربي كل غالي ونفيس من اجل كرامة الضيف والحفاظ عليه في السراء والضراء وفي كل الظروف فلم تكن مسألة تقدير الضيف او الحفاظ عليه والذود عنه اضافة الى اكرامه تعتمد على مواثيق مكتوبه ومعرفة بل كانت تنطلق من مبدأ العهد المأخوذ على الضمير والنفس امام الله وهو صفة ثابتة وطبيعية عند العرب فالعهد كان يكتسب قوة ونفاذ عندهم وبذلك تنعكس ايجابياته على الضيف فيزداد منعة وكان عدم الحفاظ على كرامة وشخص الضيف بماله ودمه عند القبائل يعد منقصه ومذمة يعاب عليها صاحبها وبالتالي تؤثر على مجمل اوضاع القبيلة وافرادها وقادتها من شيوخ ووجهاء .
سجل التاريخ صفحات سوداء على بعض الاحداث التي بقيت متواترة عبر اجيال ولم يتناساها بل راح الناس يتناقلونها بصفتها مواقف مخزيه وغير محببه ومعيبه اصلا على فاعلها ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال ومنها ما حصل مع مبعوث الامام الحسين بن علي ( ع) مسلم بن عقيل (ع) حينما تعرض للخيانة في الكوفة وما رافق هذه الحادثة من تداعيات خطيرة وجسيمة على روح ثورة الامام الحسين (ع) وطريقها المرسوم .
ما اثار الانتباه وفتح الابواب مشرعة للتساؤلات المنطقية وعلى كافة الصعد والمجالات وحرك العامل الوجداني والانساني في كل ذي لب هو الكلام المختصر والذي تحدث به سماحة قائد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي ( دام ظله) والذي وجهه الى رئيس الحكومة العراقية المؤقت الكاظمي عندما تعرض لموضوع اغتيال الشهيد القائد الجنرال قاسم سليماني والذي اغتالته امريكا في العاصمة بغداد حينما قال له ما نصه ( الامريكيون اغتالو ضيفكم الشهيد سليماني في ارضكم واعترفوا بالجريمة وهذا ليس بقليل ) .
وهنا يريد السيد الخامنئي ان يذكر الجميع بموضوع مهم وهو بان من العادات المتوارثه الاجتماعية الصحيحة والادبية والاخلاقية هي الحفاظ على الضيف والذود عنه وحمايته في شخصه ودمه ايا كانت الاسباب والظروف والمسببات ويجب ان يثار لهذا التعدي الصارخ والمذل ولو بعد حين الامر الذي لم يصار على ارض الواقع لغاية الان وبحجج خجولة للكثير من الفعاليات والطبقات الاجتماعية والسياسية العراقية .
كلام السيد الخامنئي المعبر والدقيق كان كالصفعة التي وجهت لكل من تخاذل وتهاون واخذ جانب الوقوف على التل في موضوع اغتيال القائد سليماني والذي شارك في معارك النصر على عصابات داعش الارهابية وتخليص العراق وتحرير اراضيه .
لم يتحدث السيد الخامنئي عن الجوانب القتالية والجهادية وبذل الغالي والنفيس من قبل سليماني في العراق بل اراد ان يتنزل لابسط مفهوم انساني اخلاقي يجب ان يصان ويحفظ وهو ( الضيف ) فقال للكاظمي ضيفكم واي هوان واي خزي واي وصمة عار يكتبها التاريخ في جبين المتخاذلين والمتناسين لدم سليماني الضيف بعد هذا الوصف المؤثر في وجدان الاحرار واصحاب العقول .
مؤكدا ان السيد الخامنئي وصل الى يقين في ذاته وبعد سكوت الشعب العراقي والتنصل عن اخذ الثأر والدقاع عن الضيف ان يضطر الى تحريك العامل الوجداني وأكيدا ليس من باب عدم قدرة على الرد او الضعف او الاستكانة بل من باب انه يجب على من يطالب بسيادة وطنه ان يتحلى بروح الشجاعة والاقدام والاصرار في الرد على الظالم والمستكبر والمعتدي ولو كان اكثر نفوذا وقوة ومنعة .
حدد السيد الخامنئي ابعاد عملية الاغتيال من جوانبها الوجداني والايمانية فاضافة الى قوله ضيفكم بالمعنى الوجداني والاخلاقي والتاريخي قال وفي ارضكم ومفهوم الدفاع عن الارض وما تحتويه هو مفهوم ايماني وكما قيل الدفاع عن الاوطان من الايمان وكلمة الاوطان تضم بين طياتها كل ماهو على الارض وفي السماء وبحدود مرسومة لا يمكن التعدي عليها لانها خطوط حمراء يراق دم الانسان من اجل الحفاظ عليها وبطبيعة الحال عندما نزل سليماني في بغداد صار جزءا من الوطن لانه على ارض العراق .
عندما وجه السيد الخامنئي كلامه هذا الى الكاظمي اراد ايظا ان يلوح للكاظمي بانك تتحمل الجزء الكبير في عملية الاغتيال بسبب انك مدير المخابرات في جينه وهو الجهاز المفروض ان يعلم بكبائر الامور وصغارها والشاردة والواردة وهو الجهاز الذي يعمل في تماس مع اخطر العمليات ويعلم بمعطياتها ويلم بجوانبها قبل وبعد اي عملية وهذا ما سكت عنه الكثير ولم يقله او يحمله للكاظمي كما وان السيد الخامنئي وفي حنكته وفطنته السياسية المعهودة عليه اراد ارسال رسالة بعيد المدى الى كل من يقف خلف الكاظمي ويؤيد توجهاته وسياسته بان من تؤيدون وتدعمون هو في دائرة التهمة اذا لم يكن احد اقطابها .
المقاومة الاسلامية المجاهدة وفصائلها هي عنصر ردع قوي وفعال ومؤثر على ارض الواقع ولها مواقف وعمليات نوعية ضد امريكا في العراق قبل وبعد عملية اغتيال الشهيد سليماني ولكن من المهم والمنطقي ان لا تبقى وحدها في ميدان القتال حتى تتناسب وتتساوى وتتقارب موازين القوة في مرحلة الرد والدفاع وهو ما شجع عليه ودعمه ونوه اليه السيد الخامنئي في كلمته للكاظمي ضيفكم وعنا بذلك جميع ابناء ومكونات المجتمع العراقي ليشحذ الهمم وليعطي زخم مؤثر عاطفي ووجداني لكل حر ابي في العراق وبذلك دعم السيد الخامنئي بصورة غير مباشرة كل عمليات المقاومة الاسلامية بل واعطاها غطاءا ودافع معنوي اكثر في مواجهة التسقيط والنفاق الاعلامي البعثي الجوكري الامريكي والذي ارتفع مؤخرا ضد عمليات المقاومة الاسلامية بحجة انفلات السلاح ووجوب حصره وسيادة الدولة وغيرها .
من المفروض ان يبقى طلب الثأر للشهيد سليماني والمهندس والرد على العدوان الامريكي في كل اتجاه وموقف هو أصل قضيتنا الحالية وأن يبقى الجميع داعم ومؤيد لاخراج القوات الامريكية من ارضنا فالانسان الحليم والحر والأبي لا يمكن ان يسكت على ضيم او تعدي لان السكوت ستكون له عواقب وخيمة وخطيرة كما ويجب دعم كل الجهود الوطنية الخيرة التي تطالب بخروج المحتل واخذ ثأر الشهداء وردع الاعلام والاصوات النكره المدعومة من دول الارهاب والعدوان .
منطقة المرفقات