العيد يقترن بالفرح والبهجة والمرح والسرور , وهو عنوان السعادة والفخر والإعتزاز بما تم تحقيقه في مسيرة الأيام التي سبقته.
العيد عند المجتمعات البشرية لايخرج عن هذا المعنى والسلوك المعطر بالفرح والجمال والمحبة والأخوة والألفة والأمن والسلام.
ولا تختلف مجتمعات الدنيا في تعبيراتها السلوكية عن العيد , وتكاد تتشابه أو تتطابق في إحتفالياتها ونشاطاتها المميزة لأعيادها , فهناك العديد من الأعياد الوطنية والدينية والإجتماعية وغيرها من المناسبات والتفاعلات الطيبة بين البشر في أي مكان وزمان.
والأعياد سلوك موغل في القِدم , ويبدو أن أول مجتمع بشري قد شعر بالحاجة لمثل هذا السلوك الجماعي اللازم لشحذ الهمم , وتعزيز القوى وتأكيد الإيمان بالحياة والأخذ بها نحو الأفضل والأجمل والأسعد.
وقبل وأثناء الأعياد تبدو معالم الجمال والأنوار المشعشعة والزينة بأنواعها , وتنشط التفاعلات في الأسواق لشراء ما تستدعيه إحتفاليات الأعياد من أشياء جديدة وأطعمة وهدايا , وفي الأعياد يجتمع الناس ويتزاورون ويبتهجون ويتبادلون التهاني.
وهذه السمات السائدة للأعياد فاعلة في مجتمعات الدنيا , وتشذ عنها مجتمعاتنا التي صارت الأعياد فيها مسيرات أحزان وذرف دموع وتأكيد على نفي الحياة وإلغائها , والتغني بالموت والشوق إليه بأساليب لم تعهدها البشرية من قبل , خصوصا في العقود الأربعة الأخيرة التي تحقق فيها إستثمار متزايد ومتفاقم في الأحزان والبكائيات واللطميات والعدوانية على مجد الحياة وقيمتها , حتى أصبحت الأعياد مآتم ونواحيات وبكائيات طاغية على أرجاء البلاد.
ولا يُعرف بأي حجة ودليل وإسناد يتم تعزيز هذه السلوكيات الإكتئابية المريرة الخانقة , المحبّطة للهمم والمجرِّدة للإنسان من معاني وجوده ودوره في بناء الحاضر والمستقبل.
وهذا الواقع الدامع المبكي المشحون باليأس والأسى يثير تساؤلات عديدة , منها هل أن الدين يعادي الحياة؟!!
وهل أن النبي الكريم والأئمة الأطهار والرموز الدينية الفارهة ستتفاخر بأمةٍ تبكي وتلطم وتتظلم وتتشكى وتذرف دموعا؟!!
وهل سيباهي بها الأمم مَن يريدها أن تكون صورة مشرقة للتباهي والإفتخار؟!!
بل وبماذا ستتباهى أمتنا بين الأمم؟!!
أ باللطم والقهر والظلم والفقر والبؤس والقحط والذل والهوان والإستجداء , والعيش تحت رحمة غيرها من أمم الأرض التي تتمتع بأعيادها وتفرح وتتنامى؟!!
وهل أبقينا ما يصلح للتفاخر والتباهي؟!!
أسئلة علينا أن نواجهها بشجاعة وإقرار بالمسؤولية والعزم على ممارسة الحياة , والإبتعاد عن ممارسة سلوك الموت في ما نقوم به ونتصوره ونراه.
فالأمة في دوامة أحزان , ولن تستطيع التحرر من أصفاد الدموع والبكائيات , ولهذا فهي في مدارات الإنكسارات والهزائم والإنتكاسات , لأن ما فيها ينعكس في سلوكها ويؤازر تقويته وتثميره فتتدمر الذات ويتخرب الموضوع.
ولا يمكن للحياة أن تتحقق وللأيام أن تتجدد من غير أعياد حقيقية تصنعها الأمة , وتعيشها بطاقة جوهرها وقدرات وعيها وصدق إرادتها , فالأعياد الجميلة جرعات إرادة متوثبة نحو أملٍ سعيد.
فهل من ثورة عيد وروح تجدد وتجديد؟!!