نعيش الذكرى الأربعين لإتفاقية غيّرت الواقع العربي والإقليمي ففي يوم 17\9\1978 تم توقيعها , ومضت المنطقة على سكة التداعيات المرسومة بموجبها.
وقد كُتبَ الكثير والكثير عما ستتمخض عنه الإتفاقية من متغيرات وتطورات , وبأنها ستأخذ العالم العربي إلى ميادين الوعيد الأليم والخطير.
بل وقبلها كُتب أيضا الكثير والكثير عن مصير المنطقة , وكانت إفتتاحيات الصحف المحلية في العراق تعج بالمقالات المستشرفة لواقع عربي حزين , وبعضها كان بعنوان ” المنطقة إلى أين”!!
وبعد الإتفاقية بشهور تغيّر نظام الحكم في إيران بآلية دراماتنيكية متسارعة (11\2\1979) , ومن ثم تغير رأس النظام في العراق , وإندفع البلدان نحو حرب مريرة عبثية تواصلت لمدة ثمان أعوام مهلكات.
والعجيب في الأمر أن دولتين نفطيتين كبيرتين قد خرجتا من السوق العالمية للنفظ وما تأثرت أسعار النفط طيلة فترة الحرب.
ومنذ إنطلاق شرارة الحرب الشعواء والحروب والصراعات تتوالد وبتعجيل متزايد , حتى وصلت الأوضاع العربية والإقليمية إلى ما هي عليه اليوم , وستتواصل بتعجيل فائق للإجهاز على الوجود العربي وتحويله إلى هباء منثور.
وكأن العرب يحسبون أنفسهم كالشجرة التي تنتظر فأسا لتهجم عليها وتقطّع أوصالها , وهي بلا قدرة على رده أو منع قسوته ودوافعه لتحويل أغصائها إلى أحطاب.
فهم يتمرغون في وحل الإتفاقية ويساهمون بتحقيق بنودها ومنطلقاتها بعزيمة عالية وقدرات خارقة , وكأنهم قد تحوّلوا إلى روبوتات تتحرك بإرادة ذاتية وفقا للإشارة الأولى , التي وصلت إليهم من قبل المتحكم بهم.
وهم اليوم في أصعب الأحوال بالمقارنة إلى ما كانوا عليه في النصف الأول من العقد الثامن من القرن العشرين.
فلا يمكن مقارنة أحوال العراق مثلا بما كان عليه وما هي أحواله اليوم , فالعراق يتمزق ويتحول إلى طبخات متنوعة لأكلة آثمين لا يعرفون معنى الشبع.
وقس على ذلك بقية بلدان المنطقة المنحدرة إلى مهاوي سقر.
وفي هذا المضمار الإهلاكي لعب المتقولون بالدين دورهم الخطير – كعادتهم في جميع الأزمات والتحديات – في تأهيل أبناء الأمة ودفعهم إلى حيث تقتضي إرادة الإتفاقية , ويرغب صناعها من مشاريع يبنون عليها مشاريعا ومشاريعا.
وهؤلاء المتقولون بالدين قد أمعنوا بتجهيل أبناء الأمة وتغريبهم عن الوطن والقوة والدين , وأفسدوا عليهم الحياة لأنها بلا معنى ولا قيمة ولا تستحق الجد والإجتهاد والعطاء.
فالحياة في الآخرة , وأن المرء عليه أن يسعى إلى موته وحسب , خاملا قنوطا لامباليا بما يدور حوله ويستوجب عليه من المسؤولية والعمل الجاد السديد.
وكأنهم أعضاء ناشطون وقوات فعّالة لتحقيق إرادة الإتفاقية , مثلما حققوا إرادات إتفاقيات أخرى وأخرى قبلها.
فالعيب في الذين إرتضوا هذا المصير , وليس في الإتفاقيات التي يوقعها الآخرون معهم.
فمن الذي وقّع على تلك الإتفاقية؟
وهل تغيّرت الإتفاقية بقتله؟
كما أن المواجهة مع الإتفاقية كانت بدائية وإنفعالية وغير مدروسة مثلما كان المندفعون نحوها.
وما دامت الحالة لا تتدبر بالعقل والحكمة والبحث والدراسة والدراية المتفاعلة الشاملة , فلا خير سيتحقق في بلاد العرب أوطاني , وستمضي إرادة الطامعين بها , وبتوظيف منقطع النظير من الإرادات العربية , التي تستعد للتنفيذ الفوري دوما وأبدا!!
وتلك إتفاقية تعرفونها , وتأكل الأجيال زقوم أثمارها!!!
فهل المنطقة خصباء معطاء بالخيانات اليانعة!!