23 ديسمبر، 2024 3:09 ص

فبعد التحية والسلام.. دعني أخبرك أنها آخر رسالة سوف تصلك مني.. رسالة أعلن فيها عن انشقاقي وشقائي.. بعد الوفاء والوفاق.. بعد رحلة طويلة مع اليأس.. أعلن استقالتي من الغباء.. وبعد دراسة دقيقة للوضع.. وصلت إلى ما سيأتي..
الكون والإنسان غلطة.. السماوات والأرض أكبر غلطة.. آدم والتفاحة صدمة.. الإيمان والكفر أكبر غلطة.. بيني وبينك ألف فجوة.. وجودك في رحابي صفعة.. وجودي في طريقك لم يكن صدفة.. عيد ميلادي أكبر صدمة.. الأبيض الناصع كذبة.. الأسود والأحمر خدعة.. الحرب والانشقاق فتنة.. حتى ولو كان الانتصار متعة..
في كل لحظة أجد نفسي أهذي.. أقدم حظي فدية كي لا أصلي.. في كل لحظة أجد نفسي.. مجبرة بأن أذكرك بالانفصال عني.. أنت في سمائي نكبة.. وأنا في عقلك جلطة.. في قلبك وعكة.. وفي حلقك وغزة.. إيماني بك نقمة.. كفري بك أكبر نعمة.. في كل مرة أجد نفسي.. أكثر إصرار من ذي قبل.. أعلن كفري وانشقاقي.. ألف مرة في اليوم.. في كل لحظة أجد نفسي أمضي.. ساعات طوال بين المطرقة والسندان أهذي.. أجدك تائها شاحب الوجه.. يحكي تورطك في أبشع قضية.. عنوانها “غلطة القرن 2020”.. ها أنا ذي أعلن بك كفري.. أعلن أنت انهزامك أمامي.. أجد نفسي على حافة الانتحار ألقي.. بآخر قصيدة عندي.. أعلن علانية بك كفري.. ما دام وجودك مثل عدمك لا يجدي..
لا تقاطعني أرجوك.. ما جدوى الجدال إذا جن جنوني.. لا تقاطعني أرجوك.. ربما كانت هذه آخر فرصة لي للحكي.. تتساقط قصائدي أمامي.. كأوراق الأشجار في الخريف.. أعذرني أن أعلنت بك كفري.. أهون لدي من أن أعلن نفاقي.. أو آخذ مكانك بجوار الموقد.. أنسج مآمرات ضد الإنسان.. دعني أذكرك أن خالقك لا يحتاج إلى صوامع ولا أبواق.. تدافع عنه خمس مرات في اليوم.. ودعني أذكرك أيضا أن مدرجات التاريخ لا يركبها إلا من يستحقها بالفعل..
غضبي كل الغضب، أنني صدقتك حين قلت تحبني في كتابك الذهبي.. ضيعت العمر في الوفاء والتمني.. انتظر الفردوس التي وعدتني بها ولم تأتي.. قضيت العمر أتمنى.. دوام الصحة للسلطان.. والموت كل الموت لمقالب سايلا والحجاج.. ها أنا ذا اليوم أمامك.. أجتر مرارة الغباء.. وأنت تحتسي مرارة كفري.. لا جنة اقتحمت أسوارها.. ولا صحة عرفت بدن السلطان.. ولا الهداية غيرت من طباع الحجاج..
غضبي كل الغضب، على سايلا الذي.. لم ينس الهزيمة.. بل لم ينس لذة الانتقام من القبيلة.. ذكرني سايلا بقصة المورسكي الذي غادر الأندلس نحو الأقصى.. فالأخير ترك القصور والحمراء وراءه مجبرا.. حاملا معه الشغف وأمل العودة إلى اشبيلية العظمى يوما.. بينما الأول غادر المغرب نحو الأندلس هاربا.. حاملا معه ما تبقى من الغنيمة.. إلا أن ثمة أوجه تشابه يبقى واضحا للعيان.. يلتقي الاثنين في مرارة الانهزام.. والانسحاب قبل موعد الحساب.. وعدم الوفاء بالعهد تجاه البلاد والعباد.. قد يبدو الفرق بسيطا بينهما.. إلا أن الاثنين وجهان لعملة واحدة..
الغضب كل الغضب، على الفردوس الذي مر مرور الكرام.. على العثماني الذي أعلن كفره مثلي.. وعلى الحجاج الذي أسلم أمره للإغواء..
غضبي كل الغضب، أنني ضيعت الوثيقة.. كانت تحكي.. كم كنت بك عاشقة مجنونة.. ضيعت وقتي أروي.. للأصم تفاصيل الحقيقة.. المصيبة أنني وجدتها عرض الحائط ملقية.. دستها الأقدام كأية جريدة.. لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.. ووجدتك قاتلا مقتولا.. تاركا وراءك وصية.. تقول فيها أنني حسناء غبية.. أعلنت كفرك قبلي.. هذه هي الحقيقة.. أحداث وشخوص ومسرحية وهمية.. تلقي بذلك بآخر رصاصة في صدري.. ما أشقاك يا قاسي.. وما أشقاني من كاتبة أهواها غروره.. قبل أن يعقد الكفر عليها قرانه.. أعلنت كفري ولا تطلب مني تبريره.. ما دام لن تجد بعدي من يعلن بك كفره..