لا توجد قوة عادت أمة العرب إلا وأصابتها الهزائم النكراء , وتلك حقيقة تؤكدها مسيرات التأريخ وأحداثه , وما حصل فيه من صولات وهجمات همجية على حياضها , ومدنها ذات الأنوار المعرفية والعلمية الباهرة.
فأمتنا حية متحدية صامدة صابرة , مؤمنة بكينونتها الخالدة , ورسالتها الظافرة الواعدة.
الأمة تنتصر دوما , ولن تنهزم أبدا , فهذا ديدنها منذ الأزل , ومسارها مستقيم مؤيَّد بإرادة السماء , وطاقات الأرض وروحها الدفاقة بالخيرات.
إنها أمة الفضائل والأنوار والمعطيات الإبداعية الأصيلة , التي عبّدت سبل الرقاء الإنساني , ولا تزال نبراس وجود البشرية ورمزها القيمي والأخلاقي , ومنها تستمد قدرات التفاعل المبشر بالبديع الصالح للحياة.
هذا ليس توهما أو تغنيا فنتازيا بوجود أمة , وإنما نضح مسيرات التأريخ المزدحمة بالأهوال والمواجع والأحداث , التي جعلت الناس في حينها يتصورون أن الدنيا قد إنتهت , وأمة العرب إنمحقت , لكنها نهضت وتألقت وبرزت كوجود حضاري متميز.
فتأملوا بغداد وما واجهته من عدوان سافر على مر العصور , وأين ذهب المعتدون الهمجيون , وكيف نهضت من رماد حطامها , وعبّرت عن ذاتها وموضوعها وأرست دعائم هويتها , وتألقت بعطاءاتها الفياضة في ميادين المعارف والعلوم.
وأنظروا مدنا عربية أخرى في ربوع الأمة , تعرضت لويلات ونكبات , لكنها إنبثقت وتحققت وترسخت قيمها وإنتصرت إرادتها , وتفاعل معها أجيالها بطاقات الكينونة الكبرى.
إن الأمة قد تخبو وتكبو لكنها تنهض ولا تعرف الموت أو البوار , إنها أمة حياة , يزعزع رقودها وقنوطها الأرض , ودورانها يهزها هزا عنيفا ويدعوها للقيام بدورها , لتبتهج وتتألق وتتباهى بما عليها بين أفلاك السماء.
فما دامت الأرض تدور , فالأمة في نشاط دائب , ويقظة حضارية فياضة ذات أمواج هادئة وعاتية , لكن نهر وجودها يجري ولن تنضب منابعها , أو تجف روافدها , أو تتوهم بأنها لن تكون.
إنها أمة الرسالات الكونية , والقيم الإنسانية والمعاني الروحية , والقدرات الألمعية التي أخرجت الدنيا من ظلماتها إلى أفياض أنوارها الساطعة.
فعاشت أمة قلبها ينبض بجوهر الحياة!!