17 نوفمبر، 2024 2:46 م
Search
Close this search box.

أطفال العراق بين الإهمال والآمال!

أطفال العراق بين الإهمال والآمال!

في بداية العام 2018، أشارت منظمة (التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، مقرها في باريس) إلى عشر دول تتنافس في مجال العناية بالأطفال، وكشفت أن” اليابان كانت صاحبة المركز الأول في العالم في العناية بالأطفال، وهي التي تمتلك نظاماً مدرسياً ممتازاً، يتمتع الأطفال فيه بفرص ممتازة لتحقيق الذات والتعليم العالي، ولديها واحدة من أدنى معدلات الجريمة في العالم، وتولى اهتماماً خاصاً بصحة الأطفال”.
هذا التنافس في مضمار الاهتمام بعالم الطفولة يؤكد أن دول العالم المتقدمة والمتحضرة متفهمة جداً لأهمية تربية الأطفال، وتنشئتهم تنشئة صحيحة للظفر بمواطن منتج ومبدع وايجابي، وبخلاف ذلك ستكون – في الغالب- أمام مواطن مستهلك وكسول وعاجز وسلبي!
مقابل هذا الاعتناء بالطفولة في دول العالم المعتبرة نجد ملايين الأطفال المُهملين في العراق وفلسطين وسوريا وغيرها، من الذين وقفوا على جثث آبائهم وأمهاتهم، وشاهدوا لحظات القتل الرهيبة – ربما لجميع أفراد عوائلهم- وعاشوا أيام رعب تحت نيران طائرات ومدافع لا تفرق بين مدني ومسلح!
أطفال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر وقعوا ضحية الاقتتال الخارجي والداخلي، ومآسي الإرهاب المتنوع، وفي هذا الملف يقول (كيفن واتكينز)، رئيس منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية – في مقالة نشرتها صحيفة “الغارديان” الجمعة الماضية- إن” الأطفال العراقيين الذين عاشوا الحرب يحتاجون إلى مساعدة متخصصة لعلاج الصدمة التي يعانون منها، وإنه بعد عام واحد من استعادة الموصل من الدولة الإسلامية، بدأ العمل في إعادة الإعمار، ومع ذلك فبالنسبة للأطفال الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم، والتعامل مع الخسارة، والحفاظ على الأمل الذي يعتمد عليه مستقبل مدينتهم، كانت الاستجابة حتى الآن غير واضحة! هنالك (300) ألف طالب من غرب الموصل لا يزالون يعيشون في مخيمات النازحين”.
ويضيف (واتكينز) “لا يمكنك تحديد تأثير هذه التجارب المؤلمة، ولكن في استطلاع جديد أجرته منظمة “أنقذوا الأطفال”، أبلغ نصف الأطفال تقريباً عن شعورهم بالحزن دائمًا، أو معظم الوقت. أفاد 9٪ فقط ممن تمت مقابلتهم أنهم قادرون على التفكير في مصدر للسعادة في حياتهم. فقط 25٪ من المراهقين يعتبرون المدارس مكانًا آمنًا! من غير المستغرب أن معظم مدارس المدينة قد دمرت”!
هذه حقيقة حياة الأطفال في مدن الموصل والأنبار وصلاح الدين، وغيرها من المدن التي نخرتها آفات الحروب وهشاشة القانون!
هذا الخراب المادي والنفسي والمعنوي يقابله مواد دستورية مشلولة، ومنها المادة (30) من الدستور العراقي، أولاً، التي تؤكد على:- ” تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم”!
فأين هذه الكفالة التي يتحدثون عنها؟
منظمة (هيومن رايتس مونيتور) سبق لها أن حددت ما مقداره” (2,7) مليون طفل عراقي تأثَّروا بالصراع؛ حيث تعرض أكثر من (700) طفل للإصابة والقتل، وحتى الإعدام”، فيما أكدت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) – قبل عام ونصف- أن” أكثر من (360) ألف طفل عراقي يعانون من أمراض نفسية، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة”!
هذه هي الحقيقة المؤلمة لواقع حياة أطفال العراق بلا رتوش، وبلا مجاملات، وعليه يجب على الحكومة والمجتمع الدولي – وكما يريدون إعمار المدن المحطمة- عليهم أن يسعوا لإعادة تأهيل أطفال المدن المدمرة على وجه الخصوص، وأطفال العراق على وجه العموم؛ وذلك عبر برنامج وطني تثقيفي، ومشاريع تنموية تركز على الصحة النفسية والاحتياجات الإنسانية والمادية لهذه الفئة الرقيقة والدقيقة من المجتمع، وإلا فإننا نحذر من ضياع مستقبل البلاد كاملاً مع النشوء السلبي لهذه الشريحة المهمة في ظل ظروف (إنسانية) قاسية مليئة بالدم والإرهاب والكراهية!
المجتمعات التي تمتاز بصداقتها للأطفال هي المجتمعات المتطورة، والمجتمعات التي لا تقدر أهمية مرحلة الطفولة هي مجتمعات متخلفة، وستجني ويلات هذا الإهمال في المستقبل من نسبة ليست قليلة من هؤلاء الأطفال؛ ولهذا فإن الاهتمام بتعليم الأطفال وتغذيتهم وصحتهم سيقود لتطور تلقائي في المجتمع دون الحاجة إلى برامج تطويرية كبرى فيما بعد، لأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر!
التجارب الإنسانية أثبتت أن سحق الطفولة تدمير لمستقبل الوطن، وهدر لطاقات هي أغلى من النفط، ومن كل مليارات الكون!
متى نؤمن بهذه الحقائق؟

أحدث المقالات