23 ديسمبر، 2024 4:54 ص

أطفالهم .. وأطفالنا

أطفالهم .. وأطفالنا

ـ في ظهيرة يوم 23 نيسان العام 1980 قطعت قناة الراي الثانية الايطالية الشبه رسمية برنامجها الاعتيادي.. وظهرت المذيعة الجميلة والمبتسمة دائما.. على غير عادتها.. بل كانت ملامح وجهها تؤشر إن حدثا غير سار قد وقع.. معلنة عن الانتقال إلى أحد المجمعات السكنية غرب روما.

ـ وعلى الفور نقلت إلينا الكاميرا صورة حفرة لا يتجاوز عمقها ثلاثة إلى أربعة أمتار.. وفي داخلها يقف طفل في عمر خمس سنوات على حافة انبوب مياه مجاري مكسور.. وهو ينظر إلى والدته التي كانت تقف على شفا الحفرة تحدثه بهدوء وابتسامة (مجبرة على تمثيلها) حيث كان إلى جوارها طبيب نفساني جلب على عجل.. وهي تقول له: (حبيبي أيدي لا تتحرك من مكانك أيها البطل الشجاع.. وسوف أنزل لك لإخراجك.. ونذهب إلى البيت للغداء.. ثم بعدها نذهب إلى مدينة الألعاب!!).

ـ في الجانب المقابل من حافة الحفرة يجلس القرفصاء الرئيس الايطالي جيوفاني برتيني.. (وحوله جمع غفير من الناس بين مندهش ومستغرب وبين ناقم على هذا التأخر في إنقاذ الطفل وإخراجه!!.

ـ القصة: هي إن دائرة الخدمات والصيانة في روما كانت تقوم بعملية لحيم الأنبوب المكسور.. بعد أن وجدت أن عملية استبداله تتطلب وقتا أكبر.

ـ وفي الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم توقفت حافلة نقل الطلبة بعد عودتهم من مدرستهم.. والذين نزلوا أمام مجمعهم السكني.. إلا إن (أيدي) ما أن شاهد الأشرطة الصفراء الفسفورية التي تحيط بالحفرة حتى اندفع إليها بسرعة ليشاهد ما بدخلها واخترقها وسقط في الحفرة.. حيث كان عمال الخدمات والصيانة منشغلين في قطع قطعة من الحديد مساوية لحجم القطعة المكسورة من الأنبوب.

ـ وخشية من سقوطه داخل الأنبوب وتجرفه المياه الآسنة عجلوا في جلب أمه والطبيب النفساني لئلا تقع الكارثة.. وصادف أن مرً رئيس الجمهورية الايطالية من قرب موقع الحادث وعندما علم إن طفلاً سقط في حفرة نزل من سيارته.. ولم يترك المكان حتى انتهاء الحادث.

ـ المهم: أصرت الأم أن تنزل بنفسها إلى داخل الحفرة عبر السلم الذي خصص لعملية الإنقاذ.. خوفا من أن يرتعب ابنها من نزول أناس غرباء وتقع الكارثة.

ـ فأنقذت الأم طفلها.. وتعالى التصفيق والغناء.. وظل الناس المتجمهرين هناك أكثر من ساعة يرقصون وهم فرحين.. شاركهم رئيس الجمهورية بالدقائق الأولى.

ـ (بالمناسبة الرئيس الايطالي برتيني عمره 76 سنة.. وسمين ولا يستطيع الجلوس القرفصاء.. لكنه جلس.. لأن الحادث بالنسبة لهم خطير جداً!!).

ـ أخذت بعدها وسائل الإعلام على عاتقها المهمة وتوسعت لتصبح قضية رأي عام.. أدت خلال يومين إلى استقالة عمدة روما.. ومدير الخدمات والصيانة العامة في روما.. وأحيل للتحقيق ومن ثم إلى القضاء كل من له علاقة بهذا الحادث والتقصير والإهمال.

ـ وقامت وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية والإذاعية والصحافة ومنظمات الطفولة والأمومة.. بدورها بزيارة عائلة الطفل وتقديم الهدايا للطفل.. وشاركت أيضا بذلك شركات كبرى تجارية وأطباء وفنانين.

ـ أخيرا دفعت دائرة الخدمات والصيانة مبلغ (12) مليون دولار أمريكي تعويضاً للطفل خشية أن يصاب الطفل باكتئاب في المستقبل!!.. (أؤكد 12 مليون دولار العام 1980.. هسه اشد تساوي ؟؟).

ملاحظات :

ـ نتساءل كم طفل عراقي يصعق بتيار الكهرباء الوطنية في العراق ويموت.. لأسباب تقصير وإهمال؟.. والى رحمة الله.. من دون تحقيق… وتثبيت التقصير.. وتغريم الجهة المعنية .. ودفع الاضرار للطفل!!

ـ كم طفل عراقي سقط في حفرة المجاري ومات ؟. وكأن شيئاً لم يكن!!

ـ كم طفل يدهس بسيارات مواكب المسؤولين؟.. ويمر الحادث مر الكرام.. او يهان ويعتدى على اهل الطفل.. لانهم هم من سبب الحدث.. او ادى الى شخط في صبغ احدى سيارة موكب المسؤولً!!

ـ كم طفل قتل بانفجار.. او بأي حادث كان.. من دون أي اجراء لحماية هؤلاء الاطفال؟.

ـ كم طفل يتسول لمعيشة امه او اخوته الاخرين.. ولا يوجد لديهم مورد أخر؟

ـ كم طفل ترك الدراسة.. او أصلا لم يذهب للدراسة بسبب الضائقة الاقتصادية التي تعيشها عائلته.

ـ كم طفل تستغله عصابة الجريمة للتسول أو القيام بأعمال السرقة؟

ـ كم امرأة أجهضت حملها ومات طفلها بأحداث مشابهة؟

ـ كم طفل مات من عوائل النازحين بسبب تأخر تقديم العناية الصحية لهم؟

ـ كم طبيب وفرق طبية تزور يوميا مخيمات النازحين؟ هل قام المسؤولون في وزارة الصحة بزيارات ميدانية لمواقع النازحين.. وقدموا خدماتهم الطبية والصحية لهم.. حقاً وحقيقة..؟.

ـ السؤال الأكبر: ماذا قدم لعوائل كل هؤلاء الأطفال الضحايا؟.. سواء من قبل المؤسسات المعنية بالتقصير والإهمال أو غيرها ؟؟ وكم مؤسسة إعلامية أو مدنية أو نقابة المحاميين أخذت دورها في إحقاق حقوق هؤلاء الأطفال المتضررين ؟؟

ـ بقيً أن نسأل سؤالاً أخيراً: كم مسؤولاً لمثل هذه الحوادث اعتذر من أهل الضحية.. وقدم استقالته؟؟