22 ديسمبر، 2024 11:22 م

أطفالهم.. وأطفالنا

أطفالهم.. وأطفالنا

في ظهيرة 23 نيسان 1980 قطعت قناة الرأي الثانية الايطالية برنامجها..وظهرت المذيعة الجميلة والمبتسمة دوماً..على غير عادتها..وكانت ملامحها تؤشر إن هناك حدثاً غير سار..معلنة الانتقال إلى أحد المجمعات السكنية غرب روما..وعلى الفور نقلت إلينا الكاميرا صورة حفرة لا يتجاوز عمقها أربعة أمتار..وفي داخلها يقف طفل عمره خمس سنوات على حافة أنبوب مياه مجاري مكسور..وهو ينظر إلى والدته التي تقف على شفا الحفرة تحدثه بهدوء وابتسامة (مجبرة على تمثيلها)..حيث كان إلى جوارها طبيب نفساني جلب على عجل..وهي تقول له:(حبيبي أيدي لا تتحرك من مكانك أيها البطل الشجاع..سوف أنزل لك لإخراجك..ونذهب إلى البيت للغداء..بعدها إلى مدينة الألعاب).
في الجانب المقابل من حافة الحفرة يجلس القرفصاء الرئيس الايطالي جيوفاني برتيني..وحوله جمع غفير من الناس بين مندهش ومستغرب وبين ناقم على هذا التأخر في إنقاذ الطفل وإخراجه!!
القصة:هي إن دائرة الخدمات والصيانة بروما كانت تقوم بعملية لحيم الأنبوب المكسور..بعد أن وجدت أن عملية استبداله تتطلب وقتا أكبر..وفي الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم توقفت حافلة نقل الطلبة بعد عودتهم من مدرستهم.. ونزلوا أمام مجمعهم السكني.. إلا إن (أيدي) ما أن شاهد الأشرطة الصفراء الفسفورية تحيط بالحفرة.. حتى اندفع إليها بسرعة واخترقها وسقط بالحفرة.. حيث كان عمال الخدمات والصيانة منشغلين في قطع قطعة من الحديد مساوية لحجم القطعة المكسورة.
وخشية من سقوطه داخل الأنبوب وتجرفه المياه الآسنة.. عجلوا بجلب أمه والطبيب النفساني..لئلا تقع الكارثة.. وصادف أن مرً رئيس الجمهورية الايطالية من قرب موقع الحادث.. وعندما علم إن طفلا سقط في حفرة نزل من سيارته..ولم يترك المكان حتى انتهاء الحادث.
المهم:أصرت الأم أن تنزل بنفسها إلى داخل الحفرة عبر السلم الذي خصص لعملية الإنقاذ..خشية أن يرتعب ابنها من نزول أناس غرباء وتقع الكارثة..فأنقذت الأم طفلها.. وتعالى التصفيق والغناء.
ظلوا أكثر من ساعة يرقصون وهم فرحين..شاركهم رئيس الجمهورية بالدقائق الأولى..(بالمناسبة الرئيس الايطالي عمره 76 سنة..وسمين ولا يستطيع الجلوس القرفصاء لكنه جلس..لأن الحادث بالنسبة لهم خطير جداً!!).
أخذت بعدها وسائل الإعلام على عاتقها المهمة..وتوسعت لتصبح قضية رأي عام..أدت خلال يومين إلى استقالة عمدة روما ومدير الخدمات والصيانة العامة في روما..وأحيل إلى القضاء كل من له علاقة بهذا الحادث والتقصير والإهمال.
كما أخذت منظمات الطفولة والأمومة دورها بزيارة عائلة الطفل..وتقديم الهدايا للطفل..وشاركت شركات كبرى تجارية وأطباء وفنانين..وأخيرا دفعت دائرة الخدمات والصيانة مبلغ (12) مليون دولار أمريكي تعويضاً للطفل..خشية أن يصاب الطفل باكتئاب في المستقبل!! (أؤكد 12 مليون دولار العام 1980).
ملاحظات: في 14 / 1 / 2019 مات (15) طفل عراقي بسبب البرد في مخيم دهوك للنازحين!!ولم يحرك أحد ساكناً..وكم طفل مات من عوائل النازحين بسبب البرد أو الحر أو تأخر تقديم العناية الصحية لهم؟.
ونتساءل كم طفل سقط في حفرة المجاري ومات؟..وكم طفل يدهس بسيارات مواكب المسؤولين؟..وكم طفل قتل بسبب هجمات وتفتيش ليلي وبشكل مفاجئ لبيوت المواطنين؟.. وكم امرأة أجهضت حملها ومات طفلها بأحداث مشابهة؟.
السؤال الأكبر:ماذا قدم لعوائل هؤلاء الأطفال الضحايا؟..من قبل المؤسسات المعنية بالتقصير والإهمال أو غيرها؟؟..وكم مؤسسة إعلامية أو مدنية أو نقابة المحاميين أخذت دورها في إحقاق حقوق هؤلاء الأطفال؟؟.
بقيً أن نسأل:كم مسؤولاً لمثل هذه الحوادث اعتذر من أهل الضحية..وقدم استقالته؟؟
أطفالنا تموت بالغربة تتقاذفهم أمواج البحار ليلاقوا حتفهم..ولم نسمع كلمة من سياسينا تجاه هذه الجرائم التي اقترفوها هم جميعاً.
هل نحن نحترم أنفسنا؟؟..هل نحن أبناء العراق حقاً وحقيقة؟؟.