كشف إقدام قوى الإرهاب على حجز مياه نهر الفرات عبر ناظم الفلوجة ضعفاً أمنياً وتراخياً في توفير الحماية اللازمة للسدود والنواظم المنتشرة في عموم البلاد، إذ كان المفترض أن تكون السدود والنواظم محمية بأجهزة أمنية قادرة على ردع أية جهة تحاول السيطرة على عصب مهم تعتمد عليه حياة المواطنين واقتصاد البلاد.
وعلى الرغم من الاستنكار الواسع والغضب الشديد الذي قوبلت به هذه الخطوة الخطيرة وغير الإنسانية من مختلف الفعاليات الشعبية والسياسية، إلا أنه لا يمكن إغفال انعكاساتها في تغذية وتأجيج الصراعات الطائفية التي تسببت بها العملية السياسية المشوهة المبنية على أسس المحاصصة والطائفية السياسية، فضلاً عن تأثيراتها على الزراعة والكهرباء ومجالات أخرى.
لقد جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شحّ في مواردها المائية نتيجة المشاريع التركية العملاقة على نهري دجلة والفرات. ومن المفارقات الكبرى والأخطاء الكارثية أن العراق لم يستطع التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم المياه منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية الآن، وهذه حالة شاذة تضع البلاد تحت طائلة التهديد التركي على عكس ما يحصل بين بلدان العالم المتشاطئة على أنهر مشتركة.. نهر النيل ـ مثلاً ـ لا ينبع من الأراضي المصرية لكنها تحصل على الرغم من ذلك على 51% من مياه النهر قياساً بعدد السكان وحاجاتهم. وكنتيجة حتمية لشح موارد البلاد المائية فقد تقلص عدد سكان الريف إلى حوالى 27%!!
إنّ إقدام تركيا على إقامة مشروع (غاب) الشهير على نهر الفرات الذي سيكتمل قريباً سيؤدي إلى خسارة العراق لحوالي 40% من أراضيه الزراعية. فبحسب تقديرات الخبراء والمختصين فإن الحاجة الحقيقية للعراق من نهر الفرات لا تقل عن 500م3/ثا في حين أن ما يحصل عليه حالياً لا يتعدى الـ 200م3/ثا. أما المشروع التركي الآخر وهو سد (أليسو) على نهر دجلة فسيهبط بحصة العراق من النهر إلى 7.9 مليار متر مكعب سنوياً، علماً أن منسوب المياه الفعلي عند الحدود 20.93 مليار متر مكعب!!
لذا ينبغي على الحكومة العراقية وبخاصة وزارة الموارد المائية اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمنع تكرار حادثة غلق ناظم الفلوجة وما تسببه من مخاطر جمة قد لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. وفي الميدان الأمني لابدّ من تعزيز الحماية الأمنية لمواقع السدود والنواظم التي تبلغ (25) سداً وناظماً في عموم العراق، كما أن الخبراء والمختصين يجمعون على ضرورة البدء بإنشاء سدود ونواظم جديدة إذ أن القسم الأعظم منها شُيد ضمن خطة مشاريع مجلس الإعمار في خمسينيات القرن الماضي. كذلك لابدّ من إجراء مفاوضات مع تركيا للتوصل إلى حلول بشأن مشكلة المياه كي لا تبقى البلاد أسيرة الجانب التركي.
وفي ظل هذه الأجواء نلاحظ أن العلاقات التجارية بين تركيا وبغداد وأربيل تتصاعد وتتعاظم بشكل ملفت إذ أن مئات الشركات التركية المنتشرة من زاخو إلى البصرة، والتبادل التجاري ينمو ويتسع بحيث يلمس المواطن وجوداً وافراً للبضائع التركية التي غزت الأسواق في ميادين مختلفة كالمواد الإنشائية والكهربائية والملابس والفواكه والخضروات وقناني المياه.. إلخ، حتى تعدى التبادل التجاري العشرين مليار دولار سنوياً، هذا بالاضافة إلى ما تحصل عليه تركيا من إيرادات عن أنابيب النفط العراقي المارة عبر أراضيها.
إن تجاهل مستقبل المياه في العراق وعدم إعطائها أولوية وأهمية قصوى سيخلق مشكلات كبرى لا تحمد عقباها، فالكلام عن التطوير الزراعي والمبادرة الزراعية ليست له أيّة قيمة تذكر إن لم تنل مشكلة المياه ما تستحقه من رعاية واهتمام كافيين.
*الأمين العام للحركة الإشتراكية العربية