23 ديسمبر، 2024 2:21 ص

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(99)

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(99)

مسألة (34): إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن، فيتعين الإتـــيان بها برجاء المطلوبة. وأما الاحتياطات المذكورة فيها فإن كانت مسبوقة بالفتوى أو ملحوقة بها فهي استحبابية يجوز تركها وإلا فهي وجوبية. ويلحق بالأول ما إذا قلنا: يجوز على إشكال أو على تأمل. ويلحق بالثاني ما إذا قلنا: يجب على إشكال أو على تأمل أو قيل كذا أو فيه تأمل أو فيه إشكال أو هو المشهور بدون فتوى بـإزائه.
————————————————————
ما هي قاعدة التسامح في أدلة السنن؟
أترك الجواب للسيد محمد الصدر (( قدس سره)) حيث قال: في ما وراء الفقه الجزء الأول القسم الاول ما نصه:[(والسير في فتواهم بالاستحباب، بالرغم من ضعف الطريق وهو ما يسمى بقاعدة التسامح بأدلة السنن. طبقاً لروايات وردت فـهـموا منها ذلك.
منها ما في الصحيح عن صفوان عن أبي عبد الله ((ع)) قال: من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به (فعمله) كان له أجر ذلك وأن كان رسول الله (ص) لم يقله .(وأن لم يكن ما بلغه) .(المصدر: وسائل الشيعة ج1 أبواب مقدمة العبادات باب 18 الحديث 1)
وفي الموثق عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له وأن لم يكن على ما بلغه.(نفس المصدر السابق الحديث 3 )
إلى عدة روايات أخرى إلى حد يقال: كونها مستفيضة يوثق بصدور بعضها إجمالاً)] انتهى
إن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يذهب الى القول بصحة هذه القاعدة بدليل أنه بنى كثيراً من المستحبات في رسالته العملية على هذه القاعدة بنص هذه المسألة .
والخلاصة أن المستحبات والمكروهات هي موضوع هذه القاعدة لأن الثواب يصدق على ترك المكروه وكذلك فعل المستحب.
والفقيه إذا أراد أن يبيّن حكم الاستحباب أو حكم الكراهة الذي لا يكون مبنياً على قاعدة التسامح في أدلة السنن يعبرّ عنهما : بالاستحباب الأكيد والكراهة الشديدة.
وإلا فإن الأصل في المستحبات والمكروهات هو البناء على هذه القاعدة.
وهذا هو الذي يفسّر وجود الروايات الضعيفة في كتب الأخلاق.
فإن قاعدة التسامح هي المبرر للاستدلال بتلك الروايات الضعيفة على المستحبات والمكروهات.
وهذه القاعدة لا تشمل الواجبات والمحرمات والأحكام الوضعية.
والمهم أن العبادة إذا كان استحبابها مبني على هذه القاعدة فإن المتعين هو إتيانها بنية رجاء المطلوبية.
سؤال: هل يجوز إتيان العبادة المستحبة المبنية على رواية ضعيفة بنية جزمية؟
الجواب: لا يجوز بل هو من التشريع المحرم وتبطل العبادة.
سؤال: إذا كان الفرد جاهلاً بسند العبادة المستحبة بمعنى إن دليلها إذا كان معتبراً أتى بها بنية جزمية وإذا كان دليلها ضعيف أتى بها بنية رجاء المطلوبية؟
الجواب: يجوز أن يأتي بها بنية رجاء المطلوبية لعدة أسباب:
الأول: كون الأصل عند الشك هو أصالة العدم يعني ضعف السند.
الثاني: كون عدم وصفها بالمستحب الأكيد فيكون الانصراف نحو قاعدة التسامح بأدلة السنن.
الثالث: كون نية الرجاء تصدق وتصح على ما هو جزمي وقطعي.
أما الاحتياطات، بعد أن عرفنا أن الاحتياط ينقسم إلى احتياط استحبابي واحتياط وجوبي.
والاحتياط الوجوبي: لا يجوز تركه وعصيانه ولا يجوزالرجوع إلى من يصرح بالفتوى.
والاحتياط الاستحبابي: هو ما قامت الحجة الشرعية على خلافه. فيجوز تركه إلا أن إتيان الاحتياط الاستحبابي فيه ثواب الانقياد وإذا طابق الواقع أيضاً فيه ثواب.
ولا حاجة لتكرار ما سبق.
في هذه المسألة توجد ضابطة لتشخيص نوع الاحتياط فإن كان مسبوق بالفتوى أو ملحوق فهو احتياط استحبابي بجوز تركه.
وإذا لم يكن مسبوق بالفتوى ولا ملحوق بالفتوى فهو احتياط وجوبي.
وعرفنا فيما سبق أن هناك ملحق بالاحتياط الوجوبي، وهو في الأغلب يمثل موارد التردد التي يجب فيها العمل بالاحتياط الشرعي.
ولا اعتقد توجد حاجة لتكرار ما شرحته في المسائل السابقة،
وخصوصاً أن هذا الشرح الغاية منه الفائدة العلمية التي يـبـتغيـها طلاب العلم.
ولولا النور الذي أفاضه السيد الشهيد محمد الصدر((قدس سره)) لما كان لهذا الشرح أي وجود.
فالسيد الشهيد نور الله في الأرض وهنيئاً لمن استنار وتنوّر بهذا النور.
والحمد لله رب العالمين.