17 نوفمبر، 2024 5:21 م
Search
Close this search box.

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(20)

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(20)

مسألة (3) الأحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل والاختصاص بطريقي الاجتهاد والتقليد، لكن الاحتياط في بعض المسائل جائز سواء اقتضى التكرار أم لا لكن يلزم المكلف معرفة ما هو الأحوط شرعاً.
الأمر الثالث: في كيفية معرفة ما هو الاحوط شرعاً.

من خلال هذه المسألة عرفنا أن السيد محمد الصدر (قدس سره) يُفتي بعدم جواز العمل بطريق الاحتياط في عموم المسائل…
بمعنى أن هذا الطريق مغلق في عموم المسائل، ولكن في بعض المسائل سواء كانت من ضمن العموم أو خارجة عنه، قد تحصل استثناءات..
وعندها يجب العمل بالاحتياط، وقد ذكرنا أربعة موارد لهذا الاستثناء, والنتيجة إنه قد تواجه الفرد نفس الإشكالات التي جعلها السيد محمد الصدر(قدس سره) سبباً في عدم جواز العمل بطريق الاحتياط،
وعلى هذا الأساس جاء الاستدراك الثاني الذي دلّت عليه كلمة (لكن) الثانية،
حيث قال: ((….لكن يلزم المكلف معرفة ما هو الاحوط شرعاً)) يعني إن باب الاحتياط عندما يكون جائزاً، فإن المهم فيه ليس تحصيل اليقين بفراغ الذمّة، بل المهم هو مُراعاة الأمور الشرعية الأخرى، وتجنب الضرر أو العسر أو الحرج أو المرجوح أو اختيار الاحتياط الراجح في ما إذا تعارض الاحتياط، وهذا الأمر يُحدده الفقيه، يعني كون الاحتياط شرعياً من عدمه، ولكن حيث أن المجتهد والمقلد هما في حال تردد الفتوى أو تعذّر العمل بالاجتهاد على حدٍ سواء، ولكن يبقى المكلّف العامّي مُلزم بالرجوع الى المجتهد؛ لكي يعرف منه ما هو الاحوط شرعاً.
وفي الحقيقة إن السيد محمد الصدر (قدس سره) قد تكفّل تحديد الاحتياط الشرعي، وهذا ما سيكون واضحاً في مسألة (34) حيث ألحق الكثير من موارد التأمل والتردد بالاحتياط الوجوبي؛ لأن الاحتياط الوجوبي يختلف عن الملحق به نظرياً، ولكنه متّحد معه عملياً. ويمكن القول أن الاحتياط الشرعي، هو احتياط محدد بحدود الشرع سواء أنتج اليقين أم لا.

س / لماذا ذكر السيد محمد الصدر(قدس سره) كلمة “المسائل” ولم يذكر “الاحكام” في هذه المسألة ؟
ج/عرفنا أن المسألة تتألف من حكم شرعي وموضوعه ومتعلقه فقد يكون الشك في الحكم وهذه هي الشبهة الحكمية وقد يكون الشك في غير الحكم وهذه هي الشبهة الموضوعية..
وقد ذكرتُ فيما سبق ان الاحتياط قد يكون من عمل الفقيه المجتهد، وهذا يحصل في الشبهة الحكمية،
وقد يكون الاحتياط من عمل المكلّف العامّي والمجتهد على حدٍ سواء؛ كما هو الحال في الشبهة الموضوعية.
وحيث أن الترابط وثيق بين الموضوع(موضوع الحكم أو متعلقه) والمحمول(الحكم)، فيكون الاحتياط مراعياً لِكِلا الأمرين.
فقد يكون الحكم واضحاً وقطعياً، كحرمة شرب الخمر، ولكن قد يشتبه المكلّف بأن هذا الإناء فيه خمر أم عصير أو أي سائل مباح، فالاحتياط هنا ليس في حكم شرب الخمر، بل هو احتياط في شبهة موضوعية، وهذا الإحتياط يقتضي ترك هذا السائل لأنه مشكوك الخمرية.
فالاحتياط يُراعي الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية، وهذا ما يزيد الاحتياط صعوبة, لأن الأحكام الشرعية مع فرض كونها قطعية فقد يؤدي الشك في متعلقها أو موضوعها إلى التحفظ والاحتياط، ويمكن تصوير الحال بهذه الصور:
1ـ شبهة حكمية فقط , كالشك في حرمة التدخين.
2ـ شبهة موضوعية فقط , كالشك في جهة القبلة.
3ـ شبهة حكمية وموضوعية, كالشك في حلية لحم الطاووس مع الشك في حصول تذكيته.
وفي جميع هذه الصور الثلاثة يتحقق موضوع الاحتياط وكلمة “مسائل” تدل عليها جميعاً أما عبارة “الأحتياط في الأحكام” فإن موضوعه هو الشبهة الحكمية فقط .
تنبيه
كثيراً ما نسمع من البعض يقول أنه محتاط، وللأسف الشديد أنهم يجهلون الاحتياط؛ والدليل على ذلك أنهم يطبّقون إصالة الطهارة وإصالة البراءة ويستصحبون ما هو مخالف للاحتياط، بل يدخّنون ويعملون بقاعدة اليد وسوق المسلمين وغيرها كثير، التي يقيناً لا تجتمع مع طريق الاحتياط..
وطريق الاحتياط كما علمنا، فهو طريق بديل عن طريق الاجتهاد والتقليد، ولابد أن ينتج اليقين.
فليتق الله هؤلاء الناس في ما يقولون ويفعلون، آخذين بنظر الاعتبار أن فقهائنا العظماء لم يسلكوا هذا الطريق، بالرغم من فتوى أغلبهم بالجواز، والسبب في تركهم له هو صعوبته وتعقيداته.
خلاصة المسألة
1. إن العمل بطريق الاحتياط في عموم المسائل غير جائز على الاحوط وجوباً.
2. إن طريق الاحتياط يمثل أحد صور الاحتياط، بل هو الصورة الأعلى والأرقى والأصعب؛ ولذلك يُعبّر عنه بالاحتياط المطلق.
3ـ إن مطلق الاحتياط يشمل الاحتياط المطلق وباقي الصور السبعة للاحتياط، أما الاحتياط المطلق فهو يصدق على صورة واحدة فقط، وهي الاحتياط الكلي في جميع المسائل والأحكام الواقعية.
4ـ إن معنى كلمة “الاحوط” في هذه المسألة يختلف عن معنى طريق الاحتياط فلا تناقض بينهما في هذه المسألة.
5ـ في بعض المسائل يجوز العمل بالاحتياط الشرعي.
6ـ عند تعذّر الاجتهاد والتقليد يجوز(يجب) العمل بالاحتياط، وهذا قد يحصل في موارد ذكرنا أربعة منها.
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة….

أحدث المقالات