مسألة (19): يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها. ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عبادته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. ولا يلزم العلم تفصيلاً بذلك وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها، جاز له العمل على بعض الاحتمالات برجاء المطلوبية والأحوط أن يختار ارجح الاحتمالات في نظره، فإن تبين له بعد ذلك صحة العمل اجتزأ به. وكذا إذا لم يتبين له شيء، وإذا تبين له البطلان أعاده.
—————————————————-
العبادة: هي العمل المقترن بالنية.
والنية، هي من أهم أركان العمل العبادي بحيث تبطل العبادة ببطلانها كالرياء المبطل للعبادة، والعبادة تبطل إذا كانت بدون نية.
وقد اختلف الفقهاء في تحقق النية فالمتقدمين يحتاطون وجوباً في التلفظ بها.
وأما المتأخرون فهم لا يرون ضرورة التلفظ، بل قد يكره التلفظ بالنية ولكنهم اختلفوا في تحقق النية إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحقق النية عندهم بالإخطار الذهني، أي يجب على المكلف أخطار النية بالذهن.
والاتجاه الآخر: يرى أن النية تتحقق بمجرد القصد القلبي ولا حاجة إلى إخطارها في الذهن بل يكفي القصد الارتكازي والسيد الشهيد محمد الصدر((قدس)) يُفتي بالقصد الارتكازي ولكنه يرى أن الإخطار الذهني أحوط استحباباً(المصدر: ماوراء الفقه ج1ق1)
بقيَّت الإشارة إلى أن الحج يختلف الأمر فيه فإن مشهور الفقهاء يُفتي بوجوب التلفظ بالنية بما فيهم الفقهاء الذين يفتون بالقصد القلبي الارتكازي للنية والفقهاء الذين يفتون بالإخطار الذهني للنية.
ولكن السيد محمد الصدر ((قدس)) يخالف المشهور أيضاً في ذلك ويُفتي بكفاية القصد الارتكازي في جميع العبادات بما فيها الحج.
والعبادات في الشريعة على قسمين:
القسم الأول: العبادات الواجبة كالفرائض اليومية وصلاة الجمعة والصوم والزكاة والحج.
القسم الثاني: العبادات المستحبة كالوضوء وصلاة الليل والصوم في غير شهر رمضان… الخ والعبادات المستحبة على نوعين:
أـ ما تؤدى بنية جزمية وهي ما إذا كان دليل استحبابها معتبر كغسل الجمعة وصوم يوم عرفة وصلاة الليل … الخ
ب ـ ما تؤدى بنية رجاء المطلوبية ولا يجوز أن تؤدى بنية جزمية لأنه من التشريع المحرم. وهي العبادات التي يكون دليل استحبابها مستند إلى رواية ضعيفة منجبرة بقاعدة التسامح في أدلة السنن التي سنتطرق إليها في مسألة(34).
ومن المعلوم أن ترك العبادة المستحبة ليس فيه استحقاق عقاب بل يكون في إتيانها ثواب ..
أما العبادة الواجبة ففي تركها استحقاق عقاب وخروج عن العدالة ويكون في إتيانها ثواب.
والعبادة مركبة من أجزاء ومقيدة بشروط كالصلاة التي تتركب من أجزاء ومقيدة بشروط كالوضوء والاستقبال …الخ ولما كانت العبادة واجبة وجب تعلم أجزائها وشرائطها حيث نصت هذه المسألة على(يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها) لأن وجوب المركب يستلزم منه وجوب الأجزاء.
إلا إذا دلّ الدليل على استحباب الجزء كالقنوت في الصلاة.
ولكن هل الواجب هو العلم التفصيلي أم العلم الإجمالي لأجزاء العبادات وشرائطها؟
فقد أجاب السيد محمد الصدر ((قدس)) في نفس المسألة عن هذا السؤال حيث ذكر: (ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عباداته جامعة لما يُعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. ولا يلزم العلم تفصيلاًبذلك…) فالعلم الإجمالي كافٍ ولكن لماذا؟
لأننا علمنا من المسألة السابقة أن هناك بعض الأجزاء يكون الإخلال بها جهلاً لا يوجب البطلان فلا تحتاج إلى العلم بها ولو كان الإخلال بالجزء جهلاً موجباً للبطلان مطلقاً لوجب العلم التفصيلي بطبيعة الحال.
إن كفاية العلم الإجمالي معناه أن القدر الواجب من التعلم هو ذلك ويكون الزائد أمراً راجح التعلم وقد يستحب
( وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها، جاز له العمل على بعض الاحتمالات برجاء المطلوبية والأحوط أن يختار ارجح الاحتمالات في نظره،…)
بعد أن كان الواجب هو العلم الإجمالي فمن الممكن أن تُعرض أثناء العبادة أو خارجها مسألة لا يعرف حكمها فإن عرضت أثناء العبادة مسألة لا يُعرف حكمها فإنه يجوز له العمل على بعض الاحتمالات في نظره برجاء المطلوبية .
ورجاء المطلوبية هنا ضروري لأنه ليس من المعلوم أن هذه الاحتمالات مأمورٌ بها على نحو العلم أو الحجة الشرعية
( والأحوط أن يختار أرجح الاحتمالات في نظره ) هذا الاحتياط استحبابي لأنه مسبوق بالفتوى (جاز له العمل ).
وبعد الفراغ من العبادة فإنه لا بد أن يتعلم حكم المسألة التي عرضت له أثناء العبادة وهنا ثلاث صور:
1ـ العلم(التبين) بمطابقة عمله للحكم .
2ـ العلم( التبين) بعدم مطابقة عمله للحكم.
3ـ عدم التبين .
وهنا يفصّل السيد ببيان الحكم الشرعي وهو صحة العبادة أو بطلانها حيث يقول في نفس المسألة (فإن تبين له بعد ذلك صحة العمل اجتزأ به. وكذا إذا لم يتبين له شيء، وإذا تبين له البطلان أعاده.)
هنا ماذا يكون الحكم لو أنه عمل على بعض الاحتمالات بنية جزمية؟
ج/ بطلان عباداته بلا إشكال بسبب التشريع المحرم لأن النية الجزمية لا بد أن تكون عن علم أو ما يقوم مقام العلم من الحجة الشرعية.
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…