مسألة (1):ـ يجبُ على كلِ مكلفٍ لمْ يبلغْ رتبةَ الاجتهادِ، أنْ يكونَ في جميعِ عباداتِه ومعاملاتِه وسائرِ أفعالِهِ وتروكِهِ مقلِداً إلاّ أنْ يحصلَ لهُ علمٌ بالحكمِ لضرورةٍ وغيرها. كما في بعضِ الواجباتِ وكثيرٍ منَ المستحباتِ والمباحاتِ.
( المصدر: منهج الصالحين الجزء الاول كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد محمد الصدر )
الشرح:
عرفنا فيما سبق أن للحكم الشرعي موضوعاً ومتعلّقاً،وفي هذه المسألة يُوجَدُ حُكمانِ شرعيّانِ:ـ
الحكم الأول:ـ الوجوب والذي دلّت عليه كلمة ((يجب)) وموضوع هذا الوجوب هو ((المكلّف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد))، ومتعلق هذا الوجوب هو التقليد والذي دلّت عليه كلمة ((مقلِّداً))؛ لأن كلمة مقلِّداً اسم فاعل ومصدرها التقليد, وقد تعلّق الوجوب بالتقليد، فيكون التقليد واجباً.
إن فعلّية وجوب التقليد تتوقف على فعلّية موضوعه(أي تحقق موضوعه في الخارج)، بمعنى أن جعل وجوب التقليد سيكون مجعولاً عند الوجود الفعلي للمكلف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد.
والوجوب هو حكم شرعي تكليفي إلزامي كما مرَّ بيانه من خلال المدخل .
س/ ما هو الموقف العملي الذي يقتضيه هذا الوجوب؟
ج/ الوجوب يقتضي الفعل،بمعنى إتيان الشيء الذي تعلّق به, لأن الوجوب هو الأمر بالشئ مع المنع عن الترك.
ومن المعلوم أن عصيان حكم الوجوب يستلزم إستحقاق العقوبة والعذاب وكذلك الخروج عن العدالة والورع وهذا سوف يأتي بيانه تفصيلاً من خلال شرح مسألة(32) من مسائل كتاب الإجتهاد والتقليد.
الحكم الثاني:ـ نفي وجوب التقليد على المكلّف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد، وهذا ما دلّت عليه أداة الاستثناء (إلاّ) فهي نافية للحكم دون الموضوع ؛ بمعنى عدم وجوب التقليد على المكلّف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية الضرورية ، وهي ليست موضوعاً للتقليد والاجتهاد بطبيعة الحال، والسبب في ذلك هو أن العلم بهذه الأحكام هو علم ضروري لا يحتاج إلى عملية استنباط أو بلوغ رتبة الاجتهاد، فعلى سبيل المثال وجوب الصلاة ووجوب الصوم ووجوب الحج وحرمة شرب الخمر وحرمة الزنا وحرمة اللواط وإباحة شرب الماء واستحباب الدعاء…..الخ فإن هذه الأحكام الشرعية معلومة بالضرورة ولا تحتاج إلى اجتهاد (استنباط) لكي يجب التقليد فيها. ومع ذلك فإن الإستدلال عليها ممكناً وجائزاً وهذا ما أفاده الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في بعض دروس البحث الخارج في أكثر من مناسبة..
فالحكم الأول (وجوب التقليد) يشمل الأعم الأغلب من الأحكام الشرعية(الأحكام النظرية)، ولذلك قال: في هذه المسألة((…..في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه))
وأما الحكم الثاني في هذه المسألة (عدم وجوب التقليد) فإنه يشمل الأحكام الضرورية ونحوها والتي لا تحتاج في معرفتها إلى إجتهاد(عملية إستنباط) وخير شاهد على هذه الحقيقة ما ذكره الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) في أحد مؤلفاته حيث جاء فيه ما نصه:((ولو كانت أحكام الشريعة في كل الوقائع واضحة وضوحاً بديهياً للجميع لكان تحديد الموقف العملي المطلوب تجاه الشريعة في كل واقعه أمراً ميسوراً لكل أحد، ولما احتاج إلى بحث علمي ودراسة واسعة ولكن عوامل عديدة منها بُعدنا الزمني عن عصر التشريع أدّت إلى عدم وضوح عدد كبير من أحكام الشريعة ، واكتنافها بالغموض. وعلى هذا الأساس كان من الضروري أن يوضع علم يتولى دفع الغموض عن الموقف العملي تجاه الشريعة في كل واقعة، بإقامة الدليل على تعيينه. وهكذا كان، فقد أنشئ علم الفقه للقيام بهذهِ المهمة)(المصدر:دروس في علم الأصول الحلقة الأولى للسيد محمد باقر الصدر”قدس”)
وعلى ضوء ما تقدم تنقسم الأحكام الشرعية الى:-
أولاً:- الأحكام الضرورية: وتشكل نسبة ضئيلة بالنسبة الى جميع الأحكام.
ثانياً:- الأحكام النظرية(الإجتهادية): وهي تشكل النسبة الأعظم من الأحكام.
وللحدیث بقیة اذا بقيت الحياة…