19 ديسمبر، 2024 1:25 ص

أضواء على كتاب الاجتهاد والتقليد(47)

أضواء على كتاب الاجتهاد والتقليد(47)

مسألة (9): إذا اختلف المجتهدون بالفتوى وجب الرجوع إلى الأعلم ومع التساوي بالعلم يتخيّر. والاحوط أن يعمل باحوط القولين ولا عِبرة بكون أحدهما أعدل.
——————————————–
السؤال السادس: هل لهذه المسألة مفهوم؟
ج/ أن المُراد من المفهوم هو الدلالة الالتزامية للجملة ، بمعنى أنه في حال عدم تحقق الشرط، وهو الاختلاف بالفتوى إمّا ثبوتاً أو إثباتاً ، فليزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط الذي هو وجوب الرجوع للأعلم (والمشروط عدم عند عدم شرطه)..
يعني نفهم من المسألة عدم وجوب الرجوع للأعلم في حال عدم اختلاف المجتهدين بالفتوى، يعني عدم اختلافهم في جميع الفتاوى أو اتفاقهم على فتوى أو عدّة فتاوى.
وفي جواب السؤال السابق قلت: أنَّ الذي يسقُط هو وجوب الرجوع لا وجوب التقليد.
ونفس الأمر هنا مُنطبِق على مفهوم هذه المسألة، فإن وجوب الرجوع للأعلم في حال الاختلاف بالفتوى، هو طريق وحيد لتقليد الأعلم..
أمّا في حالة عدم الاختلاف بالفتوى فإن الرجوع للأعلم ليس واجب ولكن ينبغي التفريق بين الصورتين:
الصورة الأولى: عدم اختلاف المجتهدين بالفتوى في جميع المسائل، يعني مطلقاً.
وفي هذه الصورة وبحسب مفهوم هذه المسألة، هو سقوط وجوب الرجوع للأعلم، ولكن هل يلزم منه سقوط وجوب تقليد الأعلم؟ وهنا وجهان:
الوجه الأول: إنَّ عدم الاختلاف بالفتوى مطلقاً يكون نافياً لموضوع وجوب الرجوع للأعلم ووجوب تقليد الأعلم؛ لأنَّ السيرة العقلائية مُنعَقِدَة على الرجوع للأعلم في حال الاختلاف. وسقوط وجوب تقليد الأعلم لا يلزم منه عدم جواز تقليده، بل يكون الفرد مخيّراً بين تقليد الأعلم وتقليد غير الأعلم ما داما جامعَين للشرائط الأخرى.

الوجه الثاني: إنَّ الذي يَسقُط هو وجوب الرجوع لا وجوب التقليد؛ لأنَّ العامّي المكلّف إذا قلّد واختار غير الأعلم، فإنه قد قلّد الأعلم، لأنه لا يوجد اختلاف بالفتوى، لأنه بحسب الفرض هو عدم الاختلاف في جميع المسائل، فإنَّ تقليد غير الأعلم هو طريق إلى تقليد الأعلم أو قل حجّية تقليد غير الأعلم هو بسبب مطابقة أقواله لقول الأعلم، وأتصافه بالحجّية بسبب حجّية قول الأعلم. وكأنه يُشبه الرجوع للأعلم في حال الاختلاف بالفتوى.

الصورة الثانية: اتفاق المجتهدين في فتوى أو عدّة فتاوى.
ولا أقصد هنا الإجماع، بل هو خصوص الاتفاق بين بعض المجتهدين الأحياء الجامعين للشرائط عدى الأعلمية (المتصدّين للمرجعية).
وفي هذه الصورة الأمر أكثر وضوحاً؛ لأنَّ الفرد هنا يعلم إجمالاً بالاختلاف بالفتوى. وهنا يجب عليه الرجوع للأعلم، لأنَّ الاتفاق في فتوى أو عدّة فتاوى لا يلزم منه الاتفاق في جميع الفتاوى، بل هو أدل على ضده وهو الاختلاف في بعض الفتاوى الأخرى، وهو محقق لشرط المسألة.
ولكن الحديث في نفس الفتوى أو الفتاوى المتفق عليها، كأن يكون الفرد قد ابتلى بمسألةٍ ما ولا توجد لديه أي طريق لمعرفة فتوى الأعلم، وهو يعلم بعدم الاختلاف مع فتوى الأعلم هنا في هذه الحال لا إشكال في العمل بهذه الفتوى، وهذا العمل هو تقليد للأعلم وليس تقليد لغير الأعلم..
ومن خلال هذا الجواب أصبح الفرق واضحاً بين الرجوع والتقليد.
ولابد من الألتفات أنه حتى في حال عدم الأختلاف بجميع الفتاوى فإنه لابد من الرجوع للأعلم لأن الأعلمية شرط أساسي في التقليد والولاية العامة على عكس القضاء الذي لا يشترط فيه الأعلمية…

السؤال السابع: ما هو سبب الحجّية في حال عدم اختلاف المجتهدين بالفتوى؟
ج/ قد اتضح الجواب من خلال الأجوبة السابقة، فإنْ كان المُراد من عدم الاختلاف في مسألةٍ ما عند جميع الفقهاء، فهذا هو الإجماع. أو قد يكون عدم الاختلاف بين المجتهدين المتصدين للمرجعية دون غيرهم، فإنَّ حجّية الفتوى بسبب حجّية فتوى الأعلم. وهكذا..
وبعد هذا الكلام يتضح مدى أهمية فتوى الأعلم، ولا ينبغي بل اللازم هو عدم التسامح والإهمال في مسألة الأعلم.
وللحديث بقية اذا بقيت الحياة….

أحدث المقالات

أحدث المقالات