17 نوفمبر، 2024 11:37 م
Search
Close this search box.

أضواء على كتاب الاجتهاد والتقليد(42)

أضواء على كتاب الاجتهاد والتقليد(42)

مسألة (8): يصح التقليد من الصبي الممِيز. فإذا مات المجتهد الذي قلّده الصبي قبل بلوغه جاز له البقاء على تقليده.

_________________________________________

ما هو الرشد؟
إن أفضل جواب عن هذا السؤال هو ما قاله السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في نفس المصدر السابق حيث جاء فيه ما نصه: ((الجهة الخامسة: في التمييز بين التمييز والرشد. فإن التمييز غير الرشد. فالتمييز هو أن يكون الفرد بشكلٍ من الوضوح الذهني بحيث يفهم التكاليف الشرعية أو بعض خصائصها، مما أشرنا إليه فيما سبق. في حين أن الرشد شيء آخر، وهو عرفاً، القدرة على المماكسة في المعاملات، كل واحد حسب وضعه الاجتماعي والثقافي وعمله وعمل أسرته وأبيه. والمهم والقدر الجامع بين كل ذلك هو أن يفهم الفرد معنى المعاملات كالبيع والشراء على الأقل مع استطاعته أن لا يكون مغبوناً غبناً معتداً به بدون أن يلتفت. وقولنا ( بدون أن يلتفت) ضروري في الموضوع؛ لأن الفرد قد يلتفت إلى كونه مغبوناً قليلا أو كثيرا. ومع ذلك يرضى بذلك. وهذا أمرٌ لا ينافي الرشد بل قد يؤكّده إذا كانت جهات الرضا بالغبُن واضحة وصحيحة اجتماعياً. كما أن قولنا (غبناً معتدا به) ضروري أيضاً. فلو كان الغبن قليلاً جداً، وخاصة ً مما يتعارف بين الناس. فهذا أيضاً لا ينافي الرشد. وليس من الضروري في الرشيد أن يزيد على ذلك، بحيث يصبح ماكراً يستطيع أن يخدع الآخرين ويتهرب من مسؤولياتهم. فإن المكر مرتبة غير الرشد مع العلم أنَّ المكر قد يورط الفرد بالحرام بخلاف الرشد. والصبي، كما قد يتّصف بالتمييز، قد يتّصف أيضاً بالرشد. والمهم في ثبوت المستحبات عليه هو التمييز لا الرشد. فلو كان مميزاً غير رشيد شمله الحكم أيضاً.))( ماوراء الفقه ج2 ق1) انتهى.
ومن خلال هذا الكلام الرائع للسيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يتّضح أن التمييز يحصل قبل الرشد فضلاً عن البلوغ, أمّا الرشد فإنه يحصل بعد التمييز أكيداً، ولكنه قد يحصل قبل البلوغ أو يحصل بعد البلوغ. فالصبي على ثلاثة أقسام:
الأول:ـ صبي غير مميز وغير رشيد.
الثاني:ـ صبي مميز وغير رشيد.
الثالث:ـ صبي مميز ورشيد.
أمّا البالغ فهو مميز بطبيعة الحال مالم يكن مجنوناً أيضاً، فهو على قسمين: الأول: بالغ غير رشيد.
الثاني:ـ بالغ رشيد.
إن التمييز مرتبط بالعبادات والرشد مرتبط بالمعاملات، وقد يتّصف الصبي بالتمييز والرشد معاً، كما سمعنا قبل قليل من السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره)، وعليه يصح التقليد من الصبي المميز، وقد عرفنا من خلال مسألة (1) أن التقليد يشمل جميع العبادات والمعاملات، يعني شامل لكل ما يتطلّبه التمييز، وشامل أيضاً لكل ما يتطلبه الرشد. وبعد هذا البيان النافع لمعنى التمييز والرشد، يكون من النافع فِهم الكثير من المسائل التي تتناول هذين المصطلحين في أبواب الرسالة العملية, والحمد لله والشكر له على هذه النعمة العظيمة، أقصد السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) الذي بفضل الله ومَنّهِ أخرجَ الناس من الظلمات إلى النور.. ويمكن الاستفادة من حكم هذه المسألة، وذلك من خلال صحّة تقليد الصبي المميز، وحيث أننا عرفنا من خلال مسألة (4) إن التقليد يحصل بمجرد العمل، فإنَّ كل منْ كان صبياً مميزاً في زمن السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) فهم مقلدون للسيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) بالفعل؛ لأنَّ الواحد منهم لا يخلوا من قيامه بعبادة أو معاملة،أو أي فعل أو ترك مطابق لفتوى الشهيد محمدالصدر(قدس سره) وقتئذٍ، وهؤلاء يعتقدون ويُحرزون أعلميته، والنتيجة هو تحقق التقليد بعد إحراز الكبرى والصغرى معاً، وهذا أيضاً مطابق لمفهوم مسألة (2) التي تصحح عمل العامّي في حال مطابقته لفتوى المجتهد الحجّة في حال العمل. والعامّي إمّا أن يكون مكلّفاً وإمّا أن يكون صبياً مميزاً، وقد عرفنا من خلال هذه المسألة قابلية الصبي المميز للتقليد وصحّة تقليده الابتدائي والبقائي.. ومع ذلك فإن من المؤسف جداً أننا نجد بعض أنصاف طلاب العلم يغلقون الباب أمام الناس الذين يريدون تقليد السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) ، ولكن لا أقول لهم سوى هذه الكلمات (مَنْ أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار). والحق أنَّ الباب ليس مغلقاً؛ وخير دليل وبرهان ، هذه الأحكام التي يُقرّها الفقهاء. وأشكر الله الذي جعلني أتشرف ببيانها وشرحها وتوضيحها فله الحمد وله الشكر.
وللحديث بقية اذا بقيت الحياة….

أحدث المقالات