23 ديسمبر، 2024 4:08 ص

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(27)

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(27)

مسألة (5): الاجتهاد هو مَلَكَة الاستنباط أو القدرة الراسخة على معرفة جميع الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية، سواء مارس ذلك أم لا. والأعلمية هي صفة من كان أقوى في المَلَكَة وأدق في النظر والاستدلال ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك.

إن الأعلمية تمثل الدرجة الأقوى لهذهِ المَلَكَة، ولذلك عبّر (قدس سره) هي ((صفة مَنْ كان أقوى في المَلَكَة)) وهذه الصفة ثبوتية، أمّا الصفة الإثباتية هي((وأدق في النظر والاستدلال))
لأن الممارسة العملية (الاستدلال) هي التي يمكن المقارنة فيها بين مجتهدٍ وآخر.
والنظر والاستدلال يكون على مستوى علمي الفقه والأصول.
فهناك بحوث استدلالية أصولية، وبحوث استدلالية فقهية.
بل إن السيد محمد الصدر (قدس سره) يؤكّد على أن الغرض من علم الأصول هو القدرة على استنباط الأحكام، يعني َملَكَة الاستنباط،
وبمعنى أكثر وضوح إن الغرض من علم أصول الفقه هو الاجتهاد،
فمَلَكَة الاجتهاد لا تحصل إلا من خلال علم أصول الفقه،
ومن هنا تكتسب البحوث الاستدلالية الأصولية الأهمية العظمى في إثبات الاجتهاد والأعلمية،
لأن بحوث علم الأصول أعمق وأدق بكثير من بحوث علم الفقه،
ومن بابٍ أولى أن البحث الأصولي أقوى حجّة وأشد دلالة على إثبات الاجتهاد والأعلمية؛ بلحاظ كونه الأصعب والأدق والأعمق,
ومن يكون متعمقاً في علم الأصول، يكون من السهل اليسير عليه أن يكون دقيقاً في علم الفقه، من حيث قدرته على استنباط ما عجز عنه غيره من فقه المستحدثات،
وهذه هي الصفة التي تميّز بها السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) عن غيره من الفقهاء؛
فقد استطاع (قدس سره) أن يُقدّم للمسلمين بمختلف مذاهبهم فقهاً لم يشهد له نظير، وهو ما يسمى بفقه المستحدثات، ولازال (قدس سره) لحد هذه اللحظة متفرداً في هذا العطاء الفقهي!!
والسر في تمكنه وتفرده هو أعلميته في الفقه وكذلك أعلميته وتعمقه في علم الأصول. وإذا عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب.
يقول السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) بخصوص كيفية تحقق الأعلمية ما نصه:
((لا يخفى أن المسائل الفقهية نفسها ومقدماتها التي تتوقف عليها عديدة. لا تكاد تقع تحت الحصر. من أهمها على سبيل المثال:
1- علم الرجال الذي يتحدث عن حال الرواة.
2- علم الأصول مباحث الألفاظ.
3- علم الأصول مباحث الأصول العملية.
4- الفهم العرفي والسيرة العقلائية.
5- تفسير بعض الآيات القرآنية، أعني آيات الأحكام.
ومن الواضح أن الأفراد يختلفون في استيعابهم ودقتهم في فهم أمثال هذه الأمور: فلربما يكون أحدهم أذكى وأدق واسلط في بعض هذه الأمور ويكون الآخر متميزاً في البعض الآخر. ومعه فكيف يتعين الأعلم؟
وجواب ذلك على أحد مستويين:
المستوى الأول: أن يكون أحد الفقهاء هو المتميز في كل الأمور أو الأعم الأغلب فيها، بحيث لا يساويه الآخرون بكل تأكيد، ومعه يكون من الواضح كونه مصداقاً للأعلم.
المستوى الثاني: إن ننظر إلى المقدمات التي يتوقف عليها الاستنتاج الفقهي أكثر من غيرها. وهو بشكل أساسي يتعين في علم الأصول، فإنه بابٌ عظيم للعمق والدقّة. بخلاف علم الرجال وغيره فإنه مهما كان عميقاً لم يبلغ ذلك المستوى بأي حال. إذن، من الواضح القول أن من كان هو الأعمق والأدق في علم الأصول أو في المهم من أبوابه أو في الأغلب منها. هو الذي يتعين للأعلمية دون غيره.))(المصدر:ماوراء الفقه ج1 ق1 )..انتهى
إن الأعلمية تشبه بكثير الوثاقة في نقل الخبر، فكلما كان الراوي أكثر وثاقة، كان الخبر أقرب للواقع، والأعلم هو الأكثر والأوثق في معرفة الحكم الشرعي.
إن هذه المسألة كما قلت مسبقاً تسلط الضوء على الاجتهاد والأعلمية ثبوتاً، يعني ـ واقع وحقيقة الاجتهاد والأعلمية ـ أما من ناحية التعرّف على الإجتهاد والأعلمية، والذي يسمى بالإثبات، فهذا ما تكفلت به مسألة (22).

(( ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك)).
—————————————-
إن الإطلاع على المصادر القديمة في علم الأصول وغيره لا دخل لها في أعلمية المجتهد وبطبيعة الحال فإن الإجتهاد ملكة لا تحصل بمجرد الأطلاع على المصادر فضلاً عن الأعلمية التي أعلى درجات الإجتهاد.
وللحديث بقية اذا بقيت الحياة…