18 ديسمبر، 2024 11:22 م

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(24)

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(24)

مسألة (4): التقليد هو العمل إعتماداً على فتوى المجتهد، سواء إلتزم المقلِّد بذلك في نفسه أم لم يلتزم.
————————————————————–
إن هذه المسألة لها عدّة تطبيقات مهمة وخطيرة، لا ينبغي غض النظر عنها أو إغفالها أو تجاهلها.
فقد عرفنا بوضوح من خلال ما يختاره السيد محمد الصدر(قدس سره) من تعريف للتقليد، إن التقليد يتحقق بمجرد العمل المطابق للفتوى الحجة ولو بنحو الصدفة النسبية، يعني من دون إلتزام نفسي(عزم أو نية) وهذا نافع لكثير من العوام الذين يريدون تقليد السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)، بعد أن إنكشف لهم أنه هو المرجع الجامع للشرائط، وهو مّنْ كان يجب الرجوع إليه في التقليد،
فهل يا ترى يجوز تقليده بعد وفاته؟
في الحقيقة إن هؤلاء هم مقلدون له، فينبغي استبدال السؤال بسؤال آخر، وهو الرجوع إلى الحي الجامع للشرائط في البقاء على تقليد السيد محمد الصدر(قدس سره),لأن مسألة (4) بوضوح تؤكِّد على أن التقليد يتحقق بالعمل، حتى مع فرض كونه عملاً من دون إلتزام نفسي (نيّة تقليد السيد محمد الصدر) هذا أولاً.
أمّا ثانياً: فحيث أن التقليد شامل لكل أحكام الشريعة الاستنباطية، يعني لكل العبادات والمعاملات وسائر الأفعال والتروك.
وثالثاً: حيث أن التقليد يتحقق ولو بتطبيق فتوى واحدة في فعل أو ترك أو عبادة أو معاملة وعلى حد تعبير المناطقة فإن الطبيعة تتحقق بفرد واحد والمراد من الطبيعة الكلي الطبيعي.
ورابعاً: وحيث أنَّ التقليد يصح في المسائل الخلافية والإجماعية؛ هذا يعني أن هؤلاء قد قلّدوا السيد محمد الصدر(قدس سره) من حيث عدم نيتهم والتزامهم النفسي,بل إن عباداتهم ومعاملاتهم صحيحة، في حال مطابقتها لفتوى السيد محمد الصدر(قدس سره)، التي هي حجّة عليهم، وهذا يؤدي إلى تحقق التقليد.
وللأسف الشديد إن الكثير من طلبة العلم بما فيهم مقلدي السيد محمد الصدر(قدس سره) يخطؤون في الجواب، مما يؤدي بهم الأمر إلى الفتوى بغير علم ـ أعاذنا الله من ذلك ـ، ولذلك أقول للذين عاصروا السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) ولم ينووا تقليده، ثم حصل لهم العزم على تقليده بعد استشهاده، إنكم مقلّدون له في حياته، ويجب عليكم البقاء مطلقاً على تقليده؛ طبقاً لفتاواى المراجع الأحياء، بما فيهم أعلم الأحياء.
وسيأتي الحديث عن هذه الفتوى في مسألة أخرى من هذا الكتاب، إن تقليد هؤلاء محرز، ما داموا قد أدركوا حياة السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)، سواء كانوا مكلفين أم لم يكونوا، بمعنى الصبي المميز الذي يصح تقليده ويصح له البقاء على تقليد مّنْ قلّده حال صباه وسيأتي بيان ذلك في شرح مسألة(8).
وخير مثال على أنهم قد قلّدوا السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)، بيع المعاطاة وهو البيع الذي يكون بدون صيغة العقد، فإنه من المسائل الاجتهادية الخلافية، فيكون موضوعاً للتقليد، ولا يخلوا أي فرد منّا أنْه قد باع أو اشترى بالمعاطاة، بل إنَّ الأعم الأغلب من البيع هو بالمعاطاة، وهذا مطابق لفتوى الأعلم الحجّة، وبهذا العمل ـ بيع المعاطاة ـ المطابق لفتوى السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يكون الفرد قد قلّد السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره).
وهناك أمثلة كثيرة يطول بنا المقام لمجرد تعدادها، أترك تصورها لفطنة القارئ الكريم.
إنَّ بيع المعاطاة هو عمل معاملاتي فيكون مشمولاً لفتوى المشهور بصحّة هذا العمل إذا كان مطابقاً لفتوى مَنْ كان حجّة حال العمل، وهؤلاء الناس يرون ويعتقدون إن السيد محمد الصدر (قدس سره) هو الحجّة والأعلم، فصحّة هذا البيع فرع تحقق التقليد، والتقليد لا يكون إلا للأعلم.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن مفهوم التقليد يلعب دوراً مهماً في تحقق التقليد، وفي مقدار البقاء على تقليد الميت، وقد عرفنا أن التقليد بمنحاه العملي الذي يختاره السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يحقق التقليد فقط في العمل، سواء اقترن بالنيّة أم لم يقترن، إن مقدار التقليد البقائي بالنسبة لهذا الاتجاه العملي لفهم التقليد يكون في خصوص ما عمل به المقلّد من المسائل، على خلاف المنحى النظري للتقليد، فإن مقدار البقاء يكون أكثر من خصوص ما عمل به المقلّد من مسائل، وقد اختلف الفقهاء في هذه الزيادة، وهم على اتجاهين:
الأول: البقاء على تقليد الميت في ما علمه من الأحكام.
الثاني: البقاء على تقليد الميت في مطلق الأحكام، وهذا يشمل ما عمله وما علمه وما لم يعلمه، وسياتي التعرض للتقليد البقائي في مسألة (7).
وللتقليد نوعان:
تقليد ابتدائي وتقليد بقائي،
أمّا التقليد الابتدائي: وهو أن يقلّد المكلّف مجتهداً لأول مرة (وهذا هو المقصود من مصطلح التقليد الابتدائي).
وأمّا التقليد البقائي: فهو تقليد مجتهد شطراً من حياته، والاستمرار على تقليده بعد موته ووفاته، ولكل نوع حكمه الخاص به، وهذا ما سوف تتكفله المسألتان (6) و (7)وليس هنا محل بيانه.
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…