23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

أضواء خافتة على موعظة بطريرك الكنيسة الكلدانية

أضواء خافتة على موعظة بطريرك الكنيسة الكلدانية

التي أحدثت أزمة عاصفة ما بين أبناء شعبنا
أود ان أبين بأنني لست هنا في صدد الدخول نحو سجال حول الميثولوجية المسيحية او اٍبـداء أي رأي خاص يتعلق بالليتورجية الخاصة بكنائس شعـبنا بكافة تلاوينها العقائدية، لأنه موضوع تخصصـــي بحت يخص التعاليم اللاهوتية لكل كنيسة على حده. شخصياً أنا أقف على مسافة واحدة من جميع كنائس شعبنا ، والتاريخ يشهد لي بأني قدمت الخدمات الى جميع كنائسنا وبدون أستثناء، عملت خدمة مســـــاعد الشماس في الكنيسة الكلدانية، خدمت كنيــسة المـشرق بفرعيـها الغـريغوري واليـولياني، ومـن ثم كان لي الشرف بالحصول على الميدالية الأعلى في الكنيسة السريانية الأرثودكســــية والتي تم تقليدها لـي من قـبل قداسـة البطريرك الراحل مارزكا عيواص، نتيجة لخدماتي المتواضعة لأبناء شعبنا.
لذلك لو نجول في بحار موعظة قداسة البطريرك مار لويس ساكو في 20-10-2020 ، سوف نلاحظ مدى تلاطم أمـواج العـبث الفكـري والمتثل من التفاعـل اللاطبيعي للأقـلام التي صاغـت الكثيـرمن الردود الهياجة والتي ألهبت بدورها الشبكة الرقمية ومواقع التواصل الأجتماعي، حيث صبت حمم غضبها علـى شخصــية البطــريـرك، وذلك كــرد فعـل على وجـهة النظر الذي أبداها الأخير حول ماهية رسالة المجمع الشرقي الفاتيكاني، منتقداً خلالها قسم من الليتوروجية الخاصة بكنيسة المشرق الغريغورية. لايمكن الجزم بأن شخصية مار لويس ساكو خلال موعظـته سـادها نـوع من ملامـح الأنفعال والتسـرع بالأفتاء والحكـم، بالأخص حينما شــخص أحد المراسيم اللاهوتية بأنها حديقة للحيوانات، بعدها بفترة وجيزة بادر البطريرك الكـلــداني بالأعتـراف بأنفعـاله وان كـلامه لم يكـن بـه المقصــود من توجيه الأساءة الى الكنائس الأخرى، وبأعترافه هذا القى الظلال الأيجابية على تقارب النفـوس مع بعضـها البعـض، متـلازمة مع رسالة التهدئة المعلنة من نيافة أسقف كنيسة المشرق الغريغورية في السويد الموجهة الى البطريرك الكلداني والمتضمـنة حـول موضوع ســوء الفهم اللاهوتي الخاص بالليتورجية الكنسية.
الموجز المذكور أعلاه هو وصف بياني بسيط للحدث والذي أعتبره شئ لاهوتـي صرف، ليـس لـدي أي علاقة به ولايمكنني الأملاء بالتعاليم اللاهوتية على كنائس شعبنا وبنفس الوقت لايمكن للأخيرة أن تملي ما هو علي من قبيل اٍيماني، لأنني لست بحاجة الى وسيط أن يصل بي الى الله عز وجل. لا اريــد الدخول فـي صراعات لاهوتية نحن لسنا أهلها، وكلنا على يقين لدينا الدراية الكاملة بما أنجبه هذا الصراع المقيت بيــن مختلف الكنائس خلال التاريخ من الحروب والكوارث والخسـائر الكبيــرة في الأرواح من أبناء شعـبنا. لذلك أود التطرق هنا على عدد من المحاور المرتبطة و المتفاعلة مع كلام البطريك، من قبيل تسليط الضوء حول ردود الفعــل الجيـاشــة والغيــر موزونة والبعيـدة عن اللبـاقـة وأدب الحــوار من قــبل الكثيـــر مـن الأقلام الساذجة والسطحية والنابعة من قلة الأدراك الأجتماعي والسياسي، حيث تمثـلت علــى شكـل ردود طائفيــة هائجة دون أن تفكر بالعواقـب التي ســوف تثار حول هذه المسألة، خصيصاً اٍن الوضــع الحـــالي لايتحمل الكثير من هذا التجـادل الطائفي، والتي أدى الى قيام البعض من ضعاف النفوس بأن يصطــادوا فـي المـــاء العكر،والنتيجة بالتأكيد سوف تكون سـلبية على واقعنا القومي ومن ثم تؤدي الـى زيـادة التشتت والأنشطـار فيـما بيننا. والغريـب بأن البعض مـن هذه الردود الهدامة كانـت حصـيلة كتابات صـادرة من بعض المثقفين والكتاب و قسم من الكوادر الحزبية ، المنبثقين من رحم مؤسساتنا السياسية والمذهبية. شخصياً لدي الأيمان القوي بأن الخط الثيوقراطي لايمكن أن يلتقي مع الخط القومي، لكــن هنــاك اٍمكـــانية ايجاد أرضية خصبة بأن يعملا معـاً بأستقلالية تامة ، لكــن للأسـف الظواهر الحالية تشير الى تعــرقل المسيرة القومية من خلال التشظي والتشتت الموجود داخل مؤسساتنا القومية، الذي أدى بالنتيجة الى قيام المؤسسة الدينية بالتسلط على زمـام الأمور وأدارة ملف شعبنا، وبدورها فرضت الأخيرة أملائاتها علـى أحـزابنا ومؤسســـاتنا القومــــية والشواهد كثيرة ، نذكـــر منها الأجتماع الذي دعا اليه أسقف كنيسة المشرق الغريغورية في السويد، بلقــائه ألأحزاب الآشورية العاملة في السويد، وهـي ليست المرة الأولى، وقف الأجتماع عنــد عدد من النقـاط التـي تـم مـن خلالها مناقشة ظروف أبناء شعبنا في الوطن والمهجر،والطامة الكبرى حينما ناقش الأجتماع الوضع الكنسي و أنتخاب البطريرك الجديد لكنيسة المشرق !! أتسائل ما علاقة الأحزاب بأنتخاب بطريرك جديد،هل هي ابريشيات خاصة للكنيسة أعلاه، الله أعلم!!! ومن الجــانب الآخر نسمع بأن بطريــرك الكنيسة السـريانية الأرثودكسية يلتقي الأحزاب السريانية حصراً،والمشاهدات تثبت ايضاً مدى براعة بطريرك الكنيسة الكلدانية في أدارة وتوجيه الرابطة والأحزاب الكلدانية . هذا هـو المسـتوى التي وصلت الـيه مؤسســاتنا القومية اليوم، وجميع المؤشرات تبين بأن البطريرك مار لويس ساكو نجــح في ســحب البســاط من تحـت أقـدام مؤسسـاتنا السياسية .
المحور الآخر والمتفاعل مع موعظة البطريرك ساكو، يتمثل بطريقة ألقائه والتي تثبت على الحنكة السياسية التي يمتلكها هذا الشخص والذي أستطاع من خلالـها أن يلهـب مواقــع التواصل الأجتماعي، ربما كان له سمة حب الأستعراض والظهور والتي هي ليست بالجديدة على شخصيته، وخاصــة بأمتلاكـه اليوم قيادة ملف شعبنا في العراق . هنـاك زوايا اٍيجابية وأخرى سلـــبية في موعظته أعلاه، شخصياً لا أتفق بتاتاً معـه حينما أكد على أستخدام اللغة العربية في المراسيم الدينية، وكـان تبريره هو لســهولة اٍيصال المعلومة الى المقابل الذي لايجيد لغة الأم، لدي القناعـة الكاملــة بأنه له دراية كبيــرة بالدور الاٍيجابي الذي تلعبه لغة الأم في توطيد الحس القومي عند أبناء شعــبنا، ولكنه يصطـدم بالفكر الثيوقراطي المســيحي لغالبية كنائسنا والأخص الكاثوليكي منها، حيث لاتميل الكنيسة الى أعطاء دور مهم للدلائل القومية، حسب الفلسفة اللاهوتية التي تبين بأن الكنيســة هي المكــان العـام والجـامع لأي جنس بشري،ولكن هناك حلول وسطية يمكنه توزيع القداس مابين لغة الأم واللغة الأخرى المسيطرة على ثقافة المصليين.
الزاوية الأيجابية في موعظته أعلاه تتمثل حول آلية تطوير الليثورجية الكنسية ونزع قســم من ثوبـــها الكلاسيكي، لكي تستطيع مواكبة التطور الحاصل في العالم اليوم من خلال النظام الأقتصادي الجديد والمتمثل بالعولمة، دون المساس بالركائز الأيمانية الأساسية. هناك مطلب جماهيري يؤكـــد على أهمية هذا الأٍصلاح الحقيقي في كنائسنا، نحن بحاجة الى تعالـيم تخلصنا من ســـياسـة الأستسلام والخنـوع الذي يتربى بها اولادنا فـي هذه الممـالك الثيوقراطية، والـتي أدت بدورها الى تشـاطر أبنـاء شــعبنا الى عـدد من الملل ومن ثم فقدان الروح القومية عندهم، لم أسمــع يومـاً كـاهن علـى مـذبح الكنيسة يتنــاول مـن خـلال موعــظته البعـض من الرمـوز القومية والعقائدية المأخوذة من حضارتنا الآشورية والبابلية قبل وبعد المسيح، تكمن غالبية دعواتهـم وصلـواتهم علـى تمـجيد شـعوب ورموز غريبـة عن الجـسد القـومي، والأنكى من ذلك نقوم بأطلاق الدعوات البذيئة والفاحشة على شعبنا. نريد من كنائسنا ونخص منها دول الأغتراب والمهجر بأن تكون مدارس قومية يهتدي بها الشباب ويتـربى على أجـواء بعـيدة عن زمن المجتمعات الزراعية، لقد تغيرت نمط الحياة العصرية ووجب علينا أن نواكب هذا التغيير.