18 ديسمبر، 2024 6:21 م

أضخم وأخطر مهمة فضائية

أضخم وأخطر مهمة فضائية

قبل عشرة أيام وفي لحظة تاريخية للمهتمين بالعلوم وخصوصاً الفلكية منها، وفي يوم عيد ميلاد السيد المسيح يوم 25 كانون الأول 2021، تم إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وهو مشروع عالمي مشترك بين وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ووكالة الفضاء الأوربية ووكالة الفضاء الكندية، استمر العمل في المشروع ثلاثين عاماً وبلغت تكلفته عشر مليارات دولار.
التلسكوب إطلق بمهمتين رئيسيتين هما غاية في الأهمية والخطورة، الأولى دراسة بداية الكون ومراحل تكوينه ومعرفة الأحداث التي جرت بعد عملية الأنفجار العظيم، من خلال رصد النجوم والمجرات التي تكونت في بداية نشأة الكون والبعيدة عنا جداً يصل بعدها لأكثر من 13 مليار سنة ضوئية، والمهمة الثانية دراسة الأغلفة الجوية للكواكب القريبة منا والتي تقع خارج النظام الشمسي في مجرة درب التبانة، لمعرفة من منها صالح للحياة أو توجد عليه حياة، سواء كانت حياة عاقلة أو غير عاقلة كالنباتات والديدان.
ولإنجاز هاتان المهمتان يجب إبقاء التلسكوب بارداً جداً وبعيداً عن أشعة الشمس وحرارة الأرض والقمر أو أشعة الشمس المنعكسة منهما، لذلك وضع التلسكوب في نقطة تبعد عن الأرض مسافة مليون ونصف المليون كيلومتر، أي أبعد من القمر بأربع مرات، في نقطة تسمى نقطة لاجرانج L2 إحدى النقاط التي تنعدم فيها الجاذبية، لذلك فهو بالحقيقة يدور حول الشمس بفعل جاذبية الشمس بالتزامن مع الأرض، وتكون الأرض بينه وبين الشمس تحجب ضوء الشمس عنه كخسوف جزئي بشكل دائم، فلا يصل إليه من ضوئها إلا جزءاً يسير يسمح للخلايا الضوئية في التلسكوب بإبقائه يعمل بالطاقة الشمسية لتشغيل حواسيبه وأجهزة الإستشعار والإرسال فيه، ويعتبر هذا الجزء وهو الجزء الدافيء منه تصل درجة حرارته إلى 27 درجة مئوية وهو يواجه الأرض والشمس بشكل دائم ويحوي على الهوائي للاتصال بالأرض والحواسيب وكذلك أجهزة التبريد، أما الجزء البارد الذي فيه المرآة المواجهة للفضاء والنجوم فدرجة حرارته (-223 ) درجة مئوية أي قريبة من درجة الصفر المطلق، ولأجل إبقاء هذا الجزء بارداً لهذا الحد حُجب عن الجزء الدافيء بدرع شمسي رقيق جداً مكّون من خمس طبقات رقيقة جداً مثل شعرة رأس الأنسان، وطلي جانب الدرع المواجه للشمس بالألمنيوم والسيليكون لعكس حرارة الشمس مرة ثانية إلى الفضاء.
والغرض من إبقاء التلسكوب بارداً جداً، هو لأن النجوم البعيدة غير مرئية ولايصل إلينا من ضوئها سوى الأشعة تحت الحمراء، لذلك تم إبعاده عن أشعة الشمس وتبريده ليعمل بالأشعة تحت الحمراء لكي يتمكن التلسكوب من تصويرها بدقة كبيرة، فالتلسكوبات التي تكون درجة حرارتها مرتفعة تعتبر عمياء للاشعة تحت الحمراء، بل تكون هي مشعة للأشعة الحمراء مثل أجسامنا. وحتى الكواكب البعيد التي توجد فيها حياة أو تكون صالحة للحياة، يكون الأستشعار بها عن طريق الكشف إذا كان فيها غلاف جوي أو لا، وفيما إذا كان هذا الغلاف يحوي على أوكسجين أو أوزون أو ثاني أوكسيد الكاربون أو مياه (عناصر الحياة)، ويتم الكشف عن هذه العناصر كذلك بالأشعة تحت الحمراء.
ومن المعروف أن الأنفجار العظيم حدث قبل 13.8 مليار سنة، وكان الكون في بداية تكوينه على شكل حساء ساخن وكثيف ومظلم، ونتيجة توسعه السريع والكبير أدى لأنخفاض درجة حرارته، حتى وصلت إلى 2700 درجة مئوية بعد 380 ألف سنة، وهو ما مَكَّن الألكترونات من الأتحاد بالبروتونات وتكوين ذرات الهيدروجين، وكلما إتحد ألكترون مع بروتون ليكون ذرة هيدروجين تحرر فوتون منهما، وهذه الفوتونات المنطلقة هي الضياء الأول للكون، ومن المتوقع أن يصور تلسكوب جيمس ويب هذا الضوء الأول للكون والذي حدث قبل 13.5 مليار سنة.
أما مرآة التلسكوب فقطرها هو 6.5متر وهي أكبر من مرآة تلسكوب هابل بثلاث مرات، ومساحتها تبلغ 25.4 متر، ومطلية بطبقة من الذهب لأن الذهب هو أفضل مادة تعكس الأشعة تحت الحمراء، ومساحة الدرع الشمسي 14×21 متر2، وقطر الصاروخ الذي حمل التلسكوب إلى مداره في الفضاء (واسمه أريان5) هو 4.57 متر وطوله 16متر، فإذا بنيت المرآة كقطعة واحدة لايمكن أن يحملها الصاروخ، فتم تصميمها من 18 قطعة سداسية الأضلاع تم طيها وكذلك تم طي الدرع الشمسي ووضعت في رأس الصاروخ، ومن ثم تفتح بعد إطلاق الصاروخ ووصول التلسكوب إلى مداره، لذلك صممت محركات دقيقة للغاية لأن الخطأ فيها لو كان مليمتر واحد فيجب أن تكون مساحة المرآة كيلومتر واحد، لذلك فهذه المحركات الخطأ فيها أقل من المايكرومتر أي أقل من واحد من المليون من المتر.
التلسكوب إطلق قبل عشرة أيام وهو يمر بفترة تسمى فترة الرعب والتي تستمر لتسع وعشرين يوماً، والسبب هو أن كل خمس أو ست ساعات يتم فتح وتشغل جزءاً فيه وأي خطأ أو عطل في أي جزء فيه يصعب إصلاحه بسبب بعده عن الأرض، وهذا القلق وإن كان طبيعيا إلا إن التلسكوب تم فحصه وتشغيله وهو على الأرض لمئات ولربما لآلاف المرات.

وتمت تسمية التلسكوب على اسم جيمس ادوين ويب الذي كان مديراً لوكالة الفضاء ناسا للفترة من 1961-1968، والذي لعب دوراً أساسياً في برنامج أبولو والذي مَكّن الإنسان من الوصول للقمر.