أستهلال : بداية أرى أنه من اللازم أن نعرف كلمة تشيع ، فقد جاء في موقع المعرفة ( لفظ شيعة في الأساس من الفعل تشيع وهو يعني في اللغة مال إلى أو اتبع ، فيقال تشيع الرجل لفلان أي مال إلى فلان أو اتبع فلان ، وشيعة الرجل أي أتباعه أو أنصاره . وعلى مدار التاريخ الإسلامي أطلق لفظ شيعة على بعض المجموعات مثل شيعة عثمان وشيعة علي وشيعة معاوية ) .
الموضوع :
كتب عن هذا الموضوع الكثير ، ولكنني أرى أن البحث الذي قدمه د . أحمد الوائلي 1928 – 2003 م ( أشهر خطيب حسيني وواعظ معاصر عند الشيعة وشاعر وأديب عراقي ) هو الأقرب طرفا لواقع قضية التشيع ، والبحث منشور بموقع / مركز الأشعاع الأسلامي ، ويبين د . الوائلي : أن السقف الزمني للتشيع يمتد لمدى ما بين حقبة رسول الأسلام والى مقتل الحسين بن علي / واقعة الطف 61 للهجرة ، وتوزعت الأراء الى مايلي : ( 1 . رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة الرسول : ومن يذهب لهذا الرأي هم ، أبن خلدون و د . أحمد أمين .. وقد أكد المستشرق جولد تسيهر : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ، وبالضبط بعد حادثة السقيفة / 11 للهجرة . 2 . رأي ذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ، ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم . 3 . رأي أخر قال أن تكون الشيعة كان أيام خلافة الإمام علي ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه ” فرق الشيعة ” وأبن النديم . 4 . رأي ذهب الى أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف 61 للهجرة ، ويقولون أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف ، ويقولون أيضا أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعد النزعة الروحية . 5 . رأي الشيعة وغيرهم من المحققين . قالوا أن التشيع ولد أيام النبي ، وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسانه ، وكشفت عما لعلي من مكانة ، إضافة الى ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين 6 و7 من سورة البينة ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي فأقبل علي ، فقال النبي : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ .. ” / سورة البينة ) . ويبين الوائلي ( ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه ” تاريخ الجمعيات السرية ” عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ ) . ويضيف د . الوائلي ( إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ، حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ، ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم ) . * ما سبق كان بعضا من المقتطفات لمقال د . الوائلي ، وهي تعطي خلفية بحثية تستحق أن نقف عندها بعقلانية الباحث .
القراءة : أولا – أني .. مع كل أعتباري لما ورد من أراء ، حول توصيف متى بدأ التشيع لعلي بن أبي طالب ، فأني أرى أيضا أنه هناك بعض الحوادث والوقائع ، دفعت الى التعصب أو التشيع لعلي ، لمواقفه المميزة ، بل أن ” الحلقة الضيقة للرسول ” / آل البيت وبعض الصحابة ، قد أحست بذلك ، بالطبع عدا أبو بكر وعمر – اللذان من المؤكد قد أحسا بدوره المؤثر في الحكم بعد موت الرسول . وهذه ” الحلقة الضيقة للرسول ” ، ثمنت وقييمت دور علي ، مثلا في عملية التحضير لدفن الرسول . حيث كان باقي الصحابة مهتمون بمن سينصب خليفة بعد محمد في ” سقيفة بني ساعدة ” ، وقد جاء في موقع منشور ، التالي ( في الوقت الذي كان فيه أهل الرسول يعملون على تجهيزه وتغسيله تمهيدًا لدفن جثمانه ، اجتمع عدد كبير من الأنصار في مكان يُعرف بـ« سقيفة بني ساعدة » ، ليتفكروا ويتشاوروا في مسألة خلافة الرسول . ومن قادة الأنصار الموجودين في ذلك الاجتماع ، سعد بن عبادة الخزرجي وبشير بن سعد والحباب بن المنذر ، يبدو أن قادة الأنصار قصدوا أن يتموا أمر السقيفة في معزل عن المهاجرين . إذ تؤكد الروايات التاريخية أن المهاجرين لم يعرفوا بأمر اجتماع الأنصار في السقيفة إلا عن طريق المصادفة ، عندما أخبر أحد المسلمين عمر بن الخطاب بالأمر ، فأرسل في طلب أبي بكر الصديق وانطلقا ، ومعهما أبو عبيدة بن الجراح ، إلى السقيفة مسرعين … وقد أنتهى الأجتماع بمبايعة أبو بكر / نقل من موقع منشور ) .
ثانيا – كذلك قيام علي بن أبي طالب بتغسيل وتكفين الرسول ، أعطى مكانة مميزة لعلي( وعن ابن عباس قال : لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللهِ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ : عَمُّهُ الْعَبَّاسُ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَصَالِحٌ مَوْلاهُ ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيِّ ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَصَالِحٌ مَوْلاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ ، رواه أحمد في ” المسند ” .. / نقل من موقع الأسلام سؤال وجواب ) .
ثالثا – كذلك من الوقائع التي لفتت الأنظار الى مكانة علي هي واقعة دفن الرسول ( أن من قام بدفن الرسول ، هم : العباس عمّه وعلي والفضل وقُثَم ابني العباس وأسامة بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، فحفروا له في المكان الذي مات فيه .. / نقل من موقع سطور ) . وأن عليا أيضا هو من نزل لقبر الرسول أثناء دفنه ( قال محمد بن إسحاق : وكان الذين نزلوا في قبر رسول ، علي بن أبي طالب ، والفضل وقثم أبني العباس ، وشقران ، مولى الرسول .. / نقل من موقع نداء الأيمان ) .
خاتمة : 1 . أن المراحل الثلاث التي ذكرتها ، والتي هي التحضير ل ” تغسيل وتكفين ودفن الرسول ” ، قد تمحورت بشكل رئيسي حول علي بن أبي طالب ، موقفا ودورا ومكانة في الأهتمام بالرسول ، وباقي القوم منشغلين بالحكم ! / أبو بكر وعمر .. ، فأني أرى أن هذا المراحل قد عززت في نشوء” شيعة علي ” أضافة لما ذكر في أعلاه من أراء وحجج . وأرى أيضا ، أن الأعتماد على الأحاديث والمرويات وتفسير المفسرين للأيات لا تكفي وحدها لنشوء المذهب ، لأن الأحاديث والروايات والتفاسير عامة في التأويل ، ولكن الوقائع والأحداث ثابتة الوقوع والحدوث ! .
2 . أما ما كتب في بعض المصادر / السنية المرجع ، من أن بدايات التشييع كانت يهودية الهوى ، فلا أرى من هذا الرأي من ثقل في نشوء الشيعة ( .. ثم بدأت تنتشر الاعتقادات الفاسدة ، وتنقسم هذه الفرق بعد هذه السبئية ، ولكن أصل نُشوئِها ” هو عبد الله بن سبأ ” اليهودي ، الذي ادّعى الإسلام وزعم محبة أهل البيت وغلا في علي ، وادّعى الوصية بالخلافة له ،وأن النبي أوصى له بالخلافة / نقل من موقع طريق الأسلام ) وأبن سبأ كان أيضا من المحرضين لقتل عثمان.
3 . أرى أخيرا : أن الخلافات السياسية على الحكم والخلافة قد تقود أو قد تتطور الى خلافات عقدية ، خاصة بمرور الأزمان والعهود ، وهذا الذي حدث مع الشيعة ، فقد بدأ الأمر بخلاف سياسي سلطوي على من يتولى الخلافة بعد محمد ، وأنتهى الحال الى نشوء ” شيعة علي ” وتطور أخيرا الى خلاف عقائدي ، ومن ثم قاد الأمر الى ان الأسلام ذاته تجزأ الى العشرات من الفرق والطوائف والمذاهب شيعيا وسنيا ، والقادم أعظم تفرقا وتجزءا بوجود الخلافات السياسية في الحكم !.