22 نوفمبر، 2024 9:10 م
Search
Close this search box.

أضاءة حول القرآنيون والسلفية

أضاءة حول القرآنيون والسلفية

تمهيد : ليس الغرض من هذا المقال المختصر عرض هذين المفهومين المختلفين في المعتقد الأسلامي ، لأن الكتب تعج بالكثير من الأدبيات حول هاتين المدرستين المتناقضتين ، ولكن ما وددت هنا ، هو أن أدلو بدلوي المتواضع في هذا الصدد .
الموضوع : في بداية هذا المقال ، لا بد لنا أن نعطي لمحة مختصرة عن هذين المفهومين المثيرين للجدل في الفقه الأسلامي . * القرآنيون : ( اسم يطلق على طائفة منتسبة إلى الإسلام يزعمون أنهم أهل القرآن ، ويرون أن القرآن هو مصدرهم الوحيد للإيمان والتشريع في الإسلام ، وأن السنة لا يُحتج بها ؛ لأنها إنما كُتبت بعد النبي بمدة طويلة ، فهم لا يعترفون بالأحاديث ولا الروايات التي تنسب للنبي على أساس أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقط ، ولا ذكر للسنة في هذا الحفظ ، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله” يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ” – رواه أبو داود والترمذي / نقل من موقع أسلام ويب بأختصار ) . ومن أبرز رجالات القرآنيون هو المصري الأزهري د . أحمد صبحي منصور . * أما السلفية ، فيمكن أن أنقل تعريفا لها مقتطعا من مقال ل محمد عبدالرحمن ، منشور في موقع اليوم السابع في يوم 7.5.2020 – أسرده بشكل مختصر ( .. من بين الطرق والحركات الإسلامية المنتشرة فى وقتنا الحالى هو الحركة السلفية ، والمعروفون لدى البعض بأنهم أحد أكثر الفرق الإسلامية تشددا للتعاليم العقائدية ، ويرفضون المساس بأى مما ذكر فى الكتاب أو السنة النبوية الشريفة ، ويعتقدون أنهم يمثلون صحيح أهل السنة والجماعة . ف ” السلفية ” : منهج يقصد منه اتباع المنهج الحق ، وهو منهج الصحابة ومن تلاهم من القرون المفضلة ، وهم غير محصورين بأسماء أو أشخاص أو طوائف ، ويدخل فيهم أتباع المذاهب الفقهية ما داموا ملتزمين بمنهج السلف الصالح من العمل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة .) .
القراءة : أولا . أرى أن القرآنيون قد أحسوا ، بل تيقنوا أن باقي الجماعات الأسلامية – ومنهم السلفية بالتحديد ، الذين بدأوا يرقعون في المعتقد الأسلامي ، وأخذوا يضيفون لتفاسير النص القرآني شروحات من السنن القولية والفعلية والأحاديث النبوية ، وهاتين الأضافتين كلاهما من أختلاق الفقها ومنهم ، أبن تيمية 1263 – 1328 م ، وتلميذه أبن الجوزية 1292 – 1350 م ، أن الحركة السلفية انتشرت بقوة فى زمنهما ، وأعلن هذا المذهب فى ( جرأة وقوّة وزاد آراءه انتشاراً اضطهاده بسببها ، فإنّ الاضطهاد يُذيع الآراء وينشرها ” لكن هذه الصحوة السلفية لم تنجح فيما نجح فيه ابن حنبل ، فلم تصبح مذهباً للدولة ، وإنّما ظلت حركة ، يلقى اعلامها السجن والعنت والاضطها .. “./ نقل من نفس المصدر السابق ) . لأجله أقتصروا القرآنيون على النص القرآني ، وأعتبروه مصدرهم الوحيد معتقديا .
ثانيا . أن القرآنيون على يقين من أن السنن والأحاديث قد أختلقت بعد وفاة رسول الأسلام ، المتوفي سنة 11 هج ، بحوالي قرنين من الزمان على يد البخاري / صحيح البخاري ، ومسلم بن الحجاج / صحيح مسلم ، وعلى يد أبن أسحق وأبن هشام / كاتبا السيرة النبوية .. وغير ذلك . لذا ركزا القرآنيون على أن القرآن فقط بقولهم ” أن القرآن يفسر نفسه بنفسه ” .
ثالثا . السؤال هنا ، هل يستطيع ” القرآن أن يفسر نفسه بنفسه ” ، وهل يستطيع الأنسان المطلع ، بل حتى المثقف معتقديا ، أن يفسر النص القرآني ، فكيف الحال مع العامة ! ، فمثلا أية ( الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ / سورة الحاقة ) ، هل يستطيع القارئ أن يعرف ما المعنى وما المقصود منها ! . لذا لجأ السلفيون الى التفاسير المساعدة من السنن والأحاديث ، والى شروحات الأولين من الصحابة والتابعين في تفسير النص القرآني .
رابعا . من أهم ما أعتمد عليه القرآنيون في نهجهم هو الحديث التالي ، ” عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ … ) رواه مسلم ( الزهد والرقائق/ 5326) ” . ومن موقع الأسلام سؤال وجواب ، نلحظ أن الموقع يعرض أتجاهين مختلفين / أنقلهما بأختصار ، أحدهما ” يؤيد كتابة الأحاديث عن الرسول ” ، والأخر ” ينفي ذلك ” ، ( قال ابن حجر : أَنَّ النَّبِيّ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ .. وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ القائل ، أَنَّ رَسُول اللَّه َ قَالَ ” لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْر الْقُرْآن ” رَوَاهُ مُسْلِم ) . وهنا أيضا أرى أن الموروث الأسلامي يوقع القارئ في حيرة ، وذلك في أي من الحديثين يؤمن ويعتمد ! .
خامسا . أن السلفيون يؤمنون بأيمان راسخ بأنهم هم الفرقة الناجية من الأسلام ، وهذا يعني أن كل الفرق والمذاهب الأسلامية الباقية في النار / بما فيهم القرآنيون ، وذلك وفق الحديث التالي ( ” قال الرسول : افترقت اليهود على إحدى وسبعون فرقة. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعون فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي / رواه والترمذي وأحمد وغيرهم ، وصححه الحاكم ووافقه ” .. والمقصود من قوله الثنتين والسبعين فرقة ” كلها في النار” -عند عامة السلف – أن هذه الفرق قد انعقدت عليها أسباب دخول النار بانحرافها عن هدى النبي وهدى أصحابه ؛ فهم مستحقون لدخول النار لانحرافهم ولا يعني ذلك الحكم عليهم بالكفر المخرج من الملة والخلود في النار ، بل إن الدخول الفعلي من عدمه ومدة البقاء فيها له أحوال متفاوتة ../ نقل من موقع أنا سلفي ) ، وأرى أن هذا الأمر يؤسس لأشكالية عقائدية معقدة عند العامة من جمهور المسلمين ! .
الخاتمة : شخصيا أن الفرد المسلم أراه تائها بين المدرستين / السلفية والقرآنيون – ومدارس أخرى يمكن أن نتناولها في مقالات أخرى ، ويمكن أن نلخص بعضا من الملاحظات في الختام بما يلي :
1 – لم تخدم السلفية العقلية الفردية للمسلم ، لأنها وضعته بين تناقضات النصوص وباقي الشروحات والتفاسير في السنن والأحاديث ، فما حرمته النصوص حللته السنن والأحاديث ! ، والعكس بالعكس . وفي أحيان أخرى ، تأتي الشروحات والتفاسير بأحكام لم تأتي بها النصوص ذاتها ، بل في أحيان أخري تناقضها ! .
2 – أما القرآنيون فوضعت الفرد المسلم في العبث ، فجعلته يقرأ و يرتل ، وهو لا يفهم ما يقرأ أو ما يرتل ! ، وفي ذات الوقت .. أرى أن القرآنيون ، بودقوا النص القرآني في جانب ، وأوقعوا في جانب أخر ، من العقلية الفردية للمسلم في متاهة الفهم ! .

 

أحدث المقالات