كثيراً ما نسمع عن أصول الدين وفروع الدين….
فما هي أصول الدين وما هي فروعه ؟
يجيب السيد الشهيد محمد الصدر:
(( أن أصول الدين خمسة: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة وميعاد يوم القيامة.
وفروع الدين عشرة : الصلاة والزكاة والخمس والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاية لأولياء الله والبراءة من أعدائهم.
والكلام الآن عن أصول الدين ، وقد قسمها لنا سلفنا الصالح إلى قسمين أحدهما: أصول الإسلام وهي ثلاثة منها وهي : التوحيد والنبوة والمعاد. بحيث من أنكرها أنكر الإسلام .
وثانيهما : أصول المذهب وهي الباقي من الخمسة من حيث أن من أنكرها أنكر المذهب ولم يخرج عن الإسلام)). انتهى[ ما وراء الفقه الجزء العاشر]
وقد اتضح أن المسلمين هم من أعتقد بالأصول الثلاثة (التوحيد والنبوة والمعاد ) وبهذا الاعتقاد تحرم دماءهم وأموالهم ويحكم بطهارتهم الذاتية .
ولا بد أن نتكلم عن أصول الدين من عدة جهات :-
الجهة الأولى:- في توضيح مقتصر لمفاهيم أصول الدين أي معانيها فالتوحيد معناه هو الاعتقاد والإيمان بالله وحده لا شريك له واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولن يكن له كفواً أحد . ونفي الشريك عنه بكل مراتبه .. وقول (الله أحد) او (لا إله إلا الله) هي خير ما يدل على هذا الأصل أي التوحيد .
أما الأصل الثاني وهو العدل فهو أي سبحانه وتعالى بالرغم من أنه قادر على كل شيء إلا أنه لا يفعل الظلم. والعدل فلسفياً هو وضع الشيء في موضعه المناسب له …
والظلم قبيح ذاتاً والعدل حسن ذاتاً والله لا يفعل القبيح بل ويأمرنا بأن لا نظلم بل يأمرنا بالعدل والإحسان . الله لا يريد لنا الظلم بل ويعاقب على فعل الظلم بأشد العقاب .
وأما الأصل الثالث: وهو النبوة معناه أما بالنسبة للنبوة العامة ، وهي الإيمان بنبوة الأنبياء عموماً أي أن الله بلطفه أرسل ألينا الأنبياء مبشرين ومنذرين بالرغم من أن الله خلق في داخل كل إنسان نبيّ .
وأما النبوة الخاصة هي نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) .
والأصل الرابع: هو الإمامة ومعناه الإيمان بإمامة الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وهم (علي بن أبي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي وعلي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري ومحمد بن الحسن المهدي عليهم جميعاً سلام الله..).
والأصل الخامس : ميعاد يوم القيامة ومعناه أن الله يبعث الموتى بأجسادهم في يوم القيامة ويسمى بالميعاد الداني باعتبار طروه على جانب الجسد .
وهناك ميعاد آخر وهو ميعاد عالي وهو الرجوع إلى الله في عالم المعنى والروح قال تعالى (أن إلى ربك الرجعى . وأن إليه المنتهى . وإليه ترجعون . وإليه يرجع الأمر كله ) ..
الجهة الثانية :- وهي أصول الدين في القرآن الكريم :
أولاً: التوحيد :- قال الله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ) .
ونفي الشرك عنه بكل مراتبه قال تعالى (يا بني لا تشرك بالله أن الشرك لظلم عظيم) وقال تعالى (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ). وقال تعالى( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) .
ثانيــاً :- العـدل :- قال سبحانه ( وما ربك بظلامٍ للعبـيد ) وقال (فلا تظلم نفسٌ شيئاً وأن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) وقال جلّ جلاله ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذَ لهواً لاتخذناه من لدنا أن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فأذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ).
وقال جلّ وعلا (ما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .
ثـالثـــاً :- النبوة :- أما بالنسبة للنبوة العامة فقد قال سبحانه ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) .
وقال جلّ جلاله ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه ) .
وقال تبارك أسمه ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون)
وقال جلّ وعلا ( أن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
وأما بالنسبة إلى النبوة الخاصة ، فهناك آيات كثيرة منها : قوله تعالى ( محمدٌ رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وقوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وقـوله تعـــالى(أنا أرسلناك بالحقِِ بشيراً ونذيراً) وقوله تعالى ( أنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) وقوله ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويح لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس أني رسول لكم جميعاً فآمنوا به ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) .
رابـعـاً :- الإمامة :- وفيها آيات عديدة منها قوله سبحانه ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) وقوله جلّ جلاله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) وقوله تبارك وتعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وقوله ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وقوله عز من قائل ( قل لا أسألكم عليه من أجراً إلا المودة في القربى ) . إلى غير ذلك من الآيات …
خامساً :- ميعاد يوم القيامة . قال تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً ) وقال ( ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجنِ قد استكثرتم من الإنس ) وقال تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) وقال (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ) وقال ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً ) وقال ( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) وقال تعالى في المنع عن تكذيب يوم القيامة ( الذين يكذبون بيوم الدين ) وقال تعالى(الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ) وقال ( بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً ) وقال تعالى( ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار الذين كنتم به تكذبون ) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .
الجهة الـثـالثـة :- قال الفقهاء :- أن التقليد في أصول الدين ممنوع ، لأنه منهي عنه بصراحة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى ( قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ) وقوله عز وجلّ ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباؤنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ) .
وقوله ( أنا وجدنا آباؤنا على أمةٍ وأنا على آثارهم مهتدون ) .
وإنما التقليد خاص بفروع الدين وما يخص الفتاوى العملية ولا يشمل التقليد أصول الدين بل لا بد لكل فرد أن يكون مجتهداً في الاعتقاد بهذه الأصول . فإن الاجتهاد ضد التقليد ، لأن الفرد أما مجتهد وأما مقلداً ولا ثالث لهما فإذا حصل المنع من التقليد تعين الاجتهاد .
أقول موضحاً لعبارة الشهيد الصدر الثاني ( قدس) أن التقليد معناه هو الاعتماد على الآخر والآخر ينبغي أن يكون مجتهداً ومتخصصاً بمعنى أن حصول العلم والمعرفة لا تكون قبل الفرد نفسه بل بالاعتماد على العالم والعارف ..
أما هذا العالم فهو يحصل عليه ببذل جهده وأعمال ملكته وإقامة البرهان والاستدلال والنظر ..
وليس الأمر مقتصراً على الفقه والأصول بل هو يشمل جميع حقول العلم والمعرفة والفنون . فمثلاً الشخص الذي لديه سيارة وهو لا يعرف قيادتها يعتمد على شخص آخر قادر على القيادة وهذا أيضاً معنى من معاني التقليد وإذا أراد أن يعتمد على نفسه في قيادة السيارة فلا بد أن يجتهد في التعليم .
وهكذا الحال في أمور كثيرة ولكن في حالات يكون الاعتماد على النفس صعباً ففي هذه الحالة يتعين التقليد كما في فروع الدين والشريعة .
وأما أصول الدين فإن اللازم شرعاً فيها هو الإيمان والاعتقاد بها على قناعة وهذا لا يتم إلا بالاجتهاد من قبل الفرد نفسه كل بحسب إمكانيته ..
وهناك علوم تناولت أصول الدين وهي علم الكلام وعلم الفلسفة والعرفان فضلاً عن المنهج العلمي الحديث القائم على حساب الاحتمالات ..
وكل هذه العلوم تحاول الاستفادة من الكتاب والسنة كل من زاويته..