23 ديسمبر، 2024 5:00 م

أصوات… لازالت أسيرة لماضيها

أصوات… لازالت أسيرة لماضيها

الإعلام الحر والمستقل, بكل وسائله واشكاله من الأسس القويمة والمتينة التي يبنى عليها النظام الديمقراطي السليم ,لكونه يتخذ جانب الحيادية والصدق والنزاهة,  وتغليب لغة الوضوح والشفافية  والابتعاد عن التوجيه و التعتيم والتظليل والزيف والخداع, ويتعفف من ان يكون بوقا مأجورا  لجهة أو فئة  مهما كان وزنها وثقلها في ألدوله أو المجتمع.
لهذا يطلق عليه في النظم الدستورية بالسلطة الرابعة, حيث يبرز دوره الريادي في توجيه  وخلق وبلورة الرأي العام ,وتنوير الناس وزيادة معارفهم وثقافتهم واطلاعهم على اغلب المعلومات التي تخص ألدوله وسلطتها ,فهو حلقة الوصل بين الشعب وحكومته وبين ألدوله وأمم العالم قاطبة .
 لذلك عندما اختار العراقيون النهج الديمقراطي لبناء دولتهم العصرية كانت من أولى العقبات التي اعترضتهم في تشكيل الحكومة أو السلطة, هي إلغاء وزارة الإعلام لكونها جزء من أجهزة السلطة وقناتها  التي يناط بها الدور الترويجي والدعائي للحكومة المركزية بجميع سلبياتها وايجابياتها , وليس لها أي ارتباط يوثق علاقتها بشعبها وبهمومه وتطلعاته,  بالقدر الذي ترضي به الحاكم وتكسب مودته وعطفه  من خلال انتهاجها أسلوب التهريج والتطبيل وكيل المديح والثناء  لكل تصرفاته ونزواته وتلاعبه بمقدرات مواطنيه.
 فالنظام ألصدامي البغيض كان يٌسخر جل همه وتركيزه  على الإعلام  حيث كان يٌسّيرهٌ جنبا إلى جنب وبشكل متوازي  مع عسكرة المجتمع فالإنفاق الهائل الذي يبذله لتضخيم آلته الحربية واللوجستيه كان يقابله مايرصده من أموال هائلة للدعاية والإعلام والترويج لمخططاته الجهنمية في إشعال الحروب وافتعال الأزمات وقتل الحريات وتكميم الأفواه وما يلحقها من بطش وهتك بأرواح المواطنين وتدمير مرتكزات ألدوله ألاقتصاديه, والتغطية على كل مساوئه الكارثيه التي ينتهجها, لهذا رفع شعاره المشئوم(( للقلم والبندقية فوهة واحده ))حيث أهله هذا الشعار  لشراء الذمم والضمائر من عارضي الأقلام والأصوات من النفعين والمرتزقة أدعياء الثقافة وأصحاب النفوس الضعيفة التي تتهالك ويصب لعابها على ما كان يغدقه من مال وهبات وعطايا من خزينة ألدوله التي فتحها على مصراعيها لهؤلاء المتسولين فاقدي ألذمه والشعور والإحساس الوطني, حيث كانوا النافذة العابرة لكل مساوئه وأخطائه وحماقاته  التي يطل منها على مواطنيه بشكله المزوق والمرّتش, من كونه حامي حمى الديار وحافظ الوطن من الطامعين والأشرار والمؤتمن الراعي لمصالح شعبه .  فكانت هذه الأبواق المأجورة بقدرتها وحنكتها وسعة مداركها في البراعة والتفنن والحيلة ,تعمد إلى قلب ألصوره بشكلها المغاير والمنافي لحقيقتها, المتسمة بالهمجية والمتعطشة للدماء والقتل, فتسوقه للناس بوداعته وحلمه ومروءته وبالتالي ترضي غرور الحاكم وصلفه وعنفوانه وتبعث  الطمأنينة والإقناع وروح السكينة والهدوء لأبناء شعبه.
فكان الإعلام بكل وسائله المقروءة  والمسموعة والمرئية ,مُسخر للردح والتهليل والتبريك للقائد الضرورة ولانتصاراته المزعومة
   لهذا تمادى صدام بغيه واستهتاره بأرواح ومقدرات المواطنين فمن حرب إلى أخرى ومن دمار وهلاك إلى آخر, وما فتئت آلة حربه  بالتوقف والركون إلى الاستقرار الى ان  حرقت العراق وشعبه وكل بناه واحالته إلى أشلاء ورمم ممزقه  تنتظر الفرج إلى من  يلم شتاتها ويعيد إليها الحياة من جديد.
 فصدام ونظامه  لايتحمل المسؤولية التاريخية لوحده بتدمير العراق وخرابه ,لولا هذه الزمر من الراقصين والمطبلين أصحاب الأقلام الرخيصة من التابعين والذيلين الذين ارتضوا لأنفسهم الاهانه والوضاعة ,حين قبلوا تقليد نقابتهم إلى طفل طائش مهوس لا يمت إلى ألصحافه والثقافة من قريب أو بعيد فضلوا تحت نزواته وتصرفاته الهوجاء يستجدون مايرميه لهم من فتاة موائده وعربدته حتى  سقوط نظامهم المقبور.
 ولكن من المؤسف والمحزن ان تنتقل هذه الماكنه الاعلاميه المهترئه والفاقدة لشرف رسالتها ومهنيتها ببعض من  رجالها وطباليها وبأقلامها المزيفة بعد تغير وجوهها وسحنتها  الكالحة ولبوسها أقنعة تتماشى مع ملامح النظام الجديد وتتصدر واجهة الإعلام وتمارس نفس الدور المخزي والمسيء في التزلف والتملق الذي لعبته أيام قائدها المغوار,و لتعرض أقلامها وأصواتها النشاز  في سوق النخاسة للكلمة الوضيعة والضحلة,   فمداد القلم واللسان وجد ضالته ومرتعه الخصب الذي ينمو ويتمدد على بركاته وعطاياه.
 فيد الحاكم سخية وجزلة, تهب إليهم ما يبتغوه ويسد نهمهم واطماعهم الدنيئة والمتلونة, فكلما كان الرسم  والتلطيف  والكذب والرياء أوضح وأنجع تزويقا ورتوشا وأهدافا , كلما ازدادت مردودا في  ملئ الجيوب والامتيازات ,فالحال لم يتغير, نفس البيادق إلتى كانت تٌحرّك على رقعة العراق الشطرنجيه ,عادت لتستثمر العار والخزي في نظامنا الجديد ببركة وتشجيع من تبرقعوا بالوطنيه وارتدوا جلابيب العبادة والزهد .
ويضيع وسط هذا الصخب والضجيج الإعلامي السقيم والمتهاوي, أصحاب الأقلام النظيفة والخيرة من شرفاء ألكلمه وصوتها الهادر النقي الذين أبوا على أنفسهم استصغار وإذلال  أقلامهم وأصواتهم إمام كل المغريات, اعتزازا منهم بوطنيتهم ونقاهتهم ,وسموا وترفعا عن البيع والمزايدات في أسواق العرض والطلب للإعلام المأجور.
وعادت وزارة الإعلام العراقية التي ألغتها سلطة الاحتلال,  بشخصية هيئة الإعلام والاتصالات, وبكل فروعها ودوائرها وقناتها ألفضائه وإذاعاتها  وصحفها وأضحت كل هيكليتها مجيره للسلطة وللسانها الناطق ,وليس للدولة العراقية ألحديثه بكل مؤسساتها أي دور وقياده  عليها حيث  تأتمر هذه الهيئة  بأمر الحكومة  وتوجه من قبلها, فالحكومة هي المسؤوله عن التعين والترقية والنقل ومنح الاتوات والامتيازات, وأي تصرف من أي موظف يسيء للحكومة وسياستها سواء بإبداء رأي أو تصريح  أو كتابة مقال أو النبز من طرف خفي أو واضح مناوئ  للحكومة أو لم يسايرها ,سوف لن يجد له مكانا بين أقسام ودوائر الهيئة, وسيأتيه الطرد والإبعاد حالا ,وماعلى هؤلاء الموظفين مهما ارتفعت درجاتهم في دوائرهم إلا الركوع والطاعة والتبريك والتغطية والتستر عن  الأخطاء والتصرفات للحكومه المركزيه  وان لا يظهروا إلا محاسنها وانجازاتها إن وجدت بوسائلهم الاعلاميه.
 فأي شخصية مستقلة وحياديه إبتغتها  سلطة الاحتلال من تأسيسها لهذه الهيئة ؟؟؟
والتي إرادتها هيئة مستقلة غير مرتبطة مهمتها تنظيم وتطوير الإعلام والاتصالات في العراق ضمن المعايير الدولية ألحديثه, ولتنمية وترسيخ الإعلام الوطني الحر, لكل العراقيين بمختلف مشاربهم وأطيافهم وأحزابهم ,على ان تكون منحازة وملتزمة بانتمائها وأصالتها إليهم ,تعكس أوجاعهم وتطلعاتهم, وتفتح عقلها وقلبها وكل مفاصلها للاستماع إلى نبضاتهم ومحاكاة مشاعرهم وآمالهم  وما يجول في أذهانهم من روى وأفكار.
لا ان تصم أذانها وكل حواسها بإحجامها عن رقابة ومتابعة و فضح ونشر موبقات ومساوئ الفاسدين والسراق المتلاعبين بثروة  وأموال هذا الشعب وسالبي قوت أبنائه .