18 ديسمبر، 2024 4:48 م

أصوات غربية تواجه الإرهاب الفكري

أصوات غربية تواجه الإرهاب الفكري

بينما يستمر الاعلام الغربي الموالي والداعم لدولة الاحتلال سواء في أمريكا أو اوربا بترديد سرديات اعلام الجيش الإسرائيلي والاكاذيب التي انفضحت والضجيج والالحاح الهستيري والضغط على من يستنكر الحرب الوحشية على غزة لانتزاع جملة على سؤال هل تدين هجوم السابع من أكتوبر؟ أو هل حماس منظمة إرهابية؟ خرجت من هذا السيرك المرفوض أصوات كثيرة ترفض هذا الإرهاب الفكري الذي يمارسه صحفيون في الاعلام الفرنسي بالذات وكأنهم يعملون في اعلام جيش الاحتلال ولعل ما حدث قبل أيام من ملاسنة على الهواء بين الصحفية “روث الكريف” صديقة الليكود والنائب عن حزب فرنسا الأبية “مانويل بومبار” لأوضح دليل، تأهب “للمعركة” الكلامية ثلاثة صحفيين ليمطروا النائب بالاسئلة الواحد بعد الآخر في مشهد لم يحصل ابدا ربما حتى لدى دولة الاحتلال بهدف الضغط عليه واحراجه ودفعه لاتهام المسلمين بمعاداة السامية، كل هذه الترتيبات وضعت لإرهاب النائب بسبب عدم مشاركة “حزب فرنسا الأبية” في تظاهرة دعائية وداعمة لدولة الاحتلال “ضد معاداة السامية” بكذبة تصاعدها في فرنسا بينما غزة تقصف بشراسة ويقترف جيش الاحتلال ابشع الجرائم التي يدنى لها جبين الإنسانية بنية تهجير وابادة الشعب الفلسطيني مما يعتبر في القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
من وسط هذا الإرهاب الفكري الخانق لغالبية الشعب الفرنسي برز صوت المحامي “جيل دوفير” ليقول للشعب الفلسطيني منذ بداية العدوان: ليس لديكم جيش لذا سنكون جيشكم.
لقد جمع المحامي من مدينة ليون الفرنسية أكثر من 500 زميل له حول العالم وتم تشكيل لجنة من أساتذة القانون الدولي للدفاع عن الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه المسلوبة ومقاضاة مجرمي الحرب والمجرمين بتهم الإبادة الجماعية. فقد رفع “دوفير” في التاسع من نوفمبر شكوى جماعية لدى محكمة الجنايات الدولية التي يسمح نظامها بتقديم هذه الشكاوى وسبق لها ان بتت بمثل هذه الجرائم في يوغسلافيا ورواندا وحكمت عليها كجرائم حرب ولم تكن بوحشية وحجم الجرائم التي يقترفها الكيان الصهيوني منذ أكثر من ستين يوما.
ان توقيع ميثاق روما قبل سنوات من الجانب الفلسطيني كان خطوة في الاتجاه الصحيح سمح بأن يتم الاعتراف من المحكمة الجنائية بفلسطين كدولة ذات سيادة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وان هذا القرار يعني قانونيا بعدم شرعية مصادرة الأراضي الفلسطينية وبالأخص عدم مصادرة القدس الشرقية التي لا ينفك الداعمين للاحتلال هنا في فرنسا من ادعاءات ملكيتها وعلى رأسهم “جاك اتالي” المستشار الدائم لكل رؤوساء فرنسا منذ عهد الرئيس فرانسوا ميتران وذلك رغم قرار المحكمة الجنائية الواضح الذي لا لبس فيه. بدءا سيقوم المدعي العام للمحكمة بالتحقيق بكل ما حصل وكل ما قام به نتاياهو وبايدن لمعرفة مصدر أوامر الجرائم المقترفة، يقول المحامي “جيل دوفير” ان كل شروط الإبادة متوفرة ولكل ما يحدث قواعد شرعية في ميثاق المحكمة الجنائية.
اذ وفقا للمادة السابعة من ميثاق هذه فان قصف السكان بالفسفور الأبيض وحرقهم هي جريمة حرب صارخة وواضحة للعيان وللشروط المحددة لتوصيف جريمة الحرب، اما اعتقال الفلسطينيين وتعريتهم من ملابسهم واذلالهم والاستهزاء والضحك عليهم فهي جريمة ضد الإنسانية، اما المادة السادسة فهي تتعلق بالإبادة الجماعية وهي أعلى مراتب هذه الجرائم وتعٌرف بفعل مؤكد لتدمير مجتمع او مجموعة اجتماعية وهو ما يحصل ليس في غزة فقط بل في كل فلسطين. وهذا التعريف ليس خاصا بمحكمة الجنايات الدولية بل ان أكثر المحاكم تتشارك بهذا التعريف مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية ليوغسلافيا ورواندا. فقد صدرت احكام بجرائم حرب لصالح شعب الروهينغا بسبب قطع الماء والكهرباء وتنظيم المجاعة وصعوبة الحصول على العناية الصحية وتدمير البيوت وتهجير الناس. وهو ما اقترفه جيش الاحتلال الصهيوني وما يزال بل يضاف الى ذلك ان جل قصفه الواسع والكثيف ضد غزة ضحاياه من المدنيين أطفالا ونساء وكبار السن. اما الامر الآخر الذي ستحقق فيه المحكمة فهو شرط النوايا اذ يتوجب اثبات نية المقابل في تدمير السكان وهذا ما يشهد عليه قول وزير الدفاع “غالانت” ان الفلسطينيين حيوانات إنسانية وسوف نتعامل معهم كذلك، اما نتاياهو فهو القائل ان غزة لن تعود كما كانت وأننا سنضرب كل من يدعم حماس. ان نوايا هذا الكلام واضحة لتهجير الفلسطينيين من ارضهم كذلك تكرار الحرب عليهم كل بضعة سنوات لتنغيص حياتهم وجعلهم يكرهوها ليغادروا غزة. ولعل استهداف المستشفيات وكادرها الابطال الشهداء من الأطباء والممرضين والموظفين الاجرامي لمثل صارخ على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي. كل هذه الوحشية والاجرام الصهيوني هو نية وإصرار على نزع إنسانية الفلسطينيين وتدميرها.
ان اهم ما يقوم به المحامي جيل دوفير وزملائه من المحامين وأساتذة القانون حول العالم هو تقديم الشكوى باعتبارها تبدأ قبل النكبة وبعدها وليس فقط جرائم اليوم ، أي من تاريخ وعد بلفور المشؤم لان هذا الوعد غير الشرعي بإعطاء مجموعة بشرية دولة شعب آخر هو جريمة بحد ذاته تبعته النكبة وتهجير الفلسطينيين من ارضهم، فالنية التي هي احدى شروط تعريف الإبادة موجودة أصلا في الوعد والنكبة وهذه النية ما تزال مستمرة فقد سمع العالم من وزراء حكومة نتاياهو يتكلمون بفرح عن احتلال واستثمار أراضي غزة واعطائها للمستعمرين.
لم تقتصر الشكاوى ضد الكيان الصهيوني على فرنسا بل تم رفع شكوى ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية من المستشارة القانونية العليا في المحكمة الدستورية وهذه المرة لمقاضاة الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن ووزير الدفاع اوستن بتهمة التواطئ على الإبادة الجماعية في غزة، سنقدم كل الأدلة تقول المستشارة التي تدين إسرائيل بالإبادة الجماعية وبجرائم الحرب، ان ادلة الجرائم كما تقول المستشارة هي كلام بنامين نتاياهو رئيس الوزراء وكلام وزير الدفاع وكبار المسؤولين ونواياهم المعلنة حول غزة. ان الولايات المتحدة تساهم في الإبادة الجماعية حين تقوم بتزويد إسرائيل بالسلاح وارسال المستشارين العسكريين والتسريع بالمساعدات والدعم المعنوي والسياسي. وبحق أظهر أحد كبار الموظفين في الخارجية الامريكية جوش بول الذي قدم استقالته بعد تصريح بلينكن وزير الخارجية الأمريكي امام نتاياهو انه جاء بصفته يهودي والذي اثار حفيظة عدد من موظفي الخارجية ودعا بعضهم للاستقالة ، ان فيتو بلده الأخير في مجلس الامن هو ضد الدعوة المعلنة والمكررة لتقليل الخسائر المدنية. وبقوة وحزم أدانت المقررة لحقوق الانسان فرانشيسكا البانيز جرائم دولة الاحتلال وردت على الصحفيين الفرنسيين المدافعين عن سرديات واكاذيب الجيش الإسرائيلي بأن على المتكلم ان يعرف القانون قبل ان يساند الجرائم المقترفة لان ما تقوم به حكومة نتاياهو هي جرائم حرب وابادة واضحة في القانون الدولي.
لقد أصدرت محكمة العدل الدولية عام 2004 حكما تقول فيه انه لا يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها في الأراضي الفلسطينية المحتلة لكن الدبلوماسية وبعض الدول وخاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ما تزال تردد دون خجل وتتكلم عن حق الدفاع عن النفس حتى عندما برزت أصوات المحامين والحقوقيين وأساتذة القانون الدولي ، ومن الممكن إيجاد سبب مفهوم لهذه الدول التي خلقت هذا الكيان في فلسطين لكن المحزن والمأساة هو ما نشاهده من مواقف مخزية ومشينة للدول العربية التي تنظم حفلات الرقص والغناء ومآدب الاكل الفاحشة بينما يصب القتلة حمم القنابل والفسفور على أطفال غزة وأهلها الصابرين. وفي الوقت الذي يكشف القتلة في الحكومة الإسرائيلية خططهم لتهجير الشعب الفلسطيني واحتلال مزيد من أراضي دولا عربية ، لا يرمش جفن لهذه الأنظمة المستسلمة والمطبعة على الأقل فيما يخص الحد الأدنى من أمنها الوطني ووجودها المهدد من الكيان الصهيوني الذي لا يكفيه استسلام هذه الدول بل نيته المعلنة تدميرها وانهائها من الوجود. منذ عقدين تلعب بعض الدول الإقليمية في المشرق سياساتها التي تستغل كل صغيرة وكبيرة لصالحها وصالح امنها وسيادتها ، تفاوض وتتاجر لكن ورغم الأوراق الكثيرة التي تمتلكها هذه الحكومات والامكانيات باتخاذ مواقف بسيطة وحد ادنى فيه من الرجولة والكرامة لتستخدمها وتحمي امن دولها ومنطقتنا وتمنع الإبادة وجرائم الحرب ونكبات جديدة ليس في فلسطين بل في عموم المنطقة فأنها تتفرج بطريقة مخزية ، مذلة ومهينة لا تبشر الا بما لا يحمد عقباه.