23 ديسمبر، 2024 4:00 م

أصلحوا شؤون المرأة والطفل، تغنيكم عن ماسواها من الإصلاحات

أصلحوا شؤون المرأة والطفل، تغنيكم عن ماسواها من الإصلاحات

“وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، و كلا منها رغدا حيث شئتما”
استبشر العراقيون خيرا عند سقوط الصنم من ربيع العام 2003 اثر الغزو الأمريكي الذي تمناه البعض منهم بعد أن ماتت عند معظمهم الروح الوطنية وانتقلت للرفيق الاعلى أثر نتاج برنامج نفذ على العراقيين بحرفية فائقة لكل من حكموا العراق، فتحول العراق بعد الاحتلال من سيئ إلى أسوأ، فعلى سبيل المثال تحول الأطفال الذين كانوا يسترزقون الناس في تقاطعات الطرق من خلال بيع أوراق أل”الكلينكس” وقناني الماء والعلكة، وغسل مرايا السيارات، تحولوا فجأة إلى متسولين ومتسكعين ومشردين يفترشون الارصفة والازقة ليتخذوها كمأوى لهم بسبب اليتم والتشرد والفقر المدقع وبسبب تزعزع وانعدام الجو الأسري، وهذا ما يدلل على أن هذه الشريحة من مواطني البلد أمست بمثابة المؤشر الذي يشير بدقة فائقة عن تراجع البلد عن مكانته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والانسانية والأخلاقية وغياب الضمائر الحية، وهي واحدة من الظواهر التي وضعت البلد في اعلى قائمة الدول الضالعة بالفساد والتخلف، وهي تدل-أي الظاهرة- على تفشي ظاهرة آفة الفساد في جميع مفاصل الدولة، وغياب العدل والمساواة في توزيع الثروات والموارد الانسانية، واضمحلال القيم الاسلامية والمجتمعية والوطنية لدى بعض المسؤولين، وضعف بارز في انحسار قوانين رعاية الأسرة والطفل، وعدم تفعيل القوانين التي تعنى بتربية وتعليم الأطفال وإحتوائهم كمواطنين لهم حق العيش والحياة الكريمة.

وما يدعم هذا الادعاء ظاهرة تسول النساء المقنعات السائحات اللواتي يطرقن الأبواب ويجوبن الطرقات ومواقف السيارات في التقاطعات وفي ساحات الوقوف، فضلا عن تجوالهن في الأسواق والاحياء الصناعية والتجارية والأماكن الدينية وأماكن العبادة لتوفير لقمة العيش ومكافحة الفقر والحرمان الذي سببه النظام السياسي القائم.

إن المقال لا يحتمل ذكر أمثلة أخرى من حالات التردي والتداعي التي عانى منها المجتمع العراقي خلال الخمسين سنة الماضية، وماعانته الأسرة العراقية بالذات من آهات وويلات من فتن وحروب وحصار وفقر وعوز ومرض وجهل وظلم وكل شيء كان آخرها الفساد والارهاب التوأمان اللذان لا يفترقا الا بخراب العراق وقهر العراقيين أو بالقضاء المبرم عليهما وإستئصالهما من جذورهما، ولكني أثرت طرح التداعيات التي تعاني منها المرأة والطفل حصرا في المجتمع العراقي لأنهما نواة الأسرة وهيكليتها وبالتالي فهما عماد المجتمع الحضاري في حاضره ومستقبله، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن مجمل الأسر هي المصنع الذي يرفد المجتمع والوطن بالرجال والنساء على حد سواء، وللأسرة أهمية عظيمة في رفد المجتمع الذي تتوقف بصمته على طبيعة تلك الأسرة، ولا يتوقف هذا التمايز عند حد المجتمع فحسب بل يتعداه إلى كل المؤسسات الاخرى في البلد والدولة، في العمل والمعمل، وفي المستشفى والمسجد، وفي البرلمان والحكومة والعدل والقضاء، وفي الجيش والشرطة، وفي مجال الدين والسياسة والاقتصاد والتجارة، واجزم أن تداعيات هذه الشريحة هي أخطر تداعيات أنواع الفساد لما لها تأثير واضح على حاضر ومستقبل البلد، واجزم أن الاهتمام بشؤون المرأة والطفل والأسرة بصورة عامة هو المعيار الدقيق الذي يؤشر على تقدم البلد وازدهاره وتمدنه وتطوره وانتشاله من قائمة الدول المصنفة ضمن دائرة الحضيض، وواحدة من علامات الاهتمام, وإذا اردنا أن نؤسس لأسرة متماسكة وكنموذج مثالي وحي للمجتمع المتحضر، أن نعتني بشؤون المرأة ربة البيت بأن “نخصص لها راتبا شهريا” يحفظ لها عفتها وكرامتها وماء وجهها من ان تمد يدها للناس او حتى لأقرب أقاربها من الاخوة والآباء والأبناء، وفي هذا نقول:”أصلحوا شؤون المرأة والطفل، تغنيكم عن ماسواها من الإصلاحات”، وفي هذا أيضا صلاح الوطن والمجتمع حاضرا ومستقبلا، وليدرج هذا في صلب مطالب المتظاهرين وفي قمة تطلعاتهم وفي مقدمة قوائم لافتاتهم المطالبة بالاصلاح والتغيير.

كما وبرزت بعد حالة الاحتلال وبعد تبوأ نظام الحكم المحاصصي تحت غطاء الديموقراطية مئات الظواهر السلبية التي قصمت ظهر العراق والعراقيين، كظاهرة تضخم فيلق الثكلى والأرامل والمطلقات، وظاهرة تفاقم البطالة، وظاهرة تمدد مساحة طبقة الفقراء مقابل اتساع رقعة طبقة الأغنياء، كما وتراجعت جميع الخدمات الانسانية من ماء وكهرباء وغذاء -فيما يخص اضمحلال البطاقة التموينية- ودواء، وتراجع ملموس في الخدمات البلدية، في نفس الوقت صار الفساد وبجميع انواعه وبكافة خصاله أن ينخر بالاقتصاد العراقي ويثقل كاهل العراقيين بأن جعلت عيشتهم ضنك لاتطاق وتدنى معظمهم إلى اعلى نسبة في مستوى خط الفقر، ما أدى الى هجرة النخب الشبابية والاسر المتضررة الى دول اوربا وعلى هذا المنوال وطيلة الاعوام المنصرمة اضحى الفساد ساريا في معظم مؤسسات الدولة ومفاصلها الحيوية بشكل طردي ومروع مع ما يقابله من تراجع واضح في مجمل الخدمات الوطنية والمعيشية والانسانية والحياتية للمواطنين، وهي نفس النواتج المنبثقة من الارهاب الداعشي التي اخذت ماخذها من الوطن والمواطن.

وعلى المتظاهرين وأكررها ثانية أن يضعوا هذا المطلب نصب اعينهم، وأن يضعوه في مقدمة شعاراتهم ولافتاتهم أن كانوا يروموا الاصلاح فعلا وحقيقة، ذلك لأن معظم تداعياتنا السياسية والاجتماعية والوطنية والأخلاقية سببها عدم الاهتمام بتطلعات “ربة البيت العراقية” والإستحقاقات الإنسانية والحياتية والمعيشية للأسرة العراقية ونواتها المرأة والطفل.

وعرفت السيدة ديان كارلو الكندية الاسرة جاء فيه: “هناك حيث تبدأ التربية، وهناك حيث تتشكل قيمنا الأخلاقية، وهناك حيث يتحسس البشر ببيئته الاجتماعية، وهناك حيث يعانق البشر الحياة، وهناك حيث يحتضن المودة، فذلكم هو ما ينبغي أن تكون عليه الأسرة”.

﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾