23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

أصابع الجذام وكتاب المآسي – تظاهرات الغربية إنموذجاً

أصابع الجذام وكتاب المآسي – تظاهرات الغربية إنموذجاً

يوماً ما كانت الجنة هي ما نظنّه سيأتي بعد انهيار ( السواتر )، وبعد إغلاق ( معسكرات التدريب )، هي ما نظنه خلف التشرد، ووراء السجون المفتوحة والمغلقة التي ملأ بها النظام البائد بطحاء وطننا الحبيب.. تلك الجنّة التي أملناها طويلاً.. وهي نفسها ماكان يتراءى لعيون الأيامى والثكالى، وهي نفسها ماكان حاضراً أبداً في أخيلة اليتامى والمعذبين والمشتتين في أصقاع الأرض حالمين بنشوة الخلاص.. الخلاص الذي لاح خجلاً على ظهور عابرات القارات العتيدة، ومع جحيم صواريخ الرحمة المرعبة.. ولا رحمة.
وقلّب العراقيون صفحات وصفحات من تاريخ مآسيهم المتلاحقة، وهم يبتلعون بشراهة علقم التغيير، ويجتازون التضاريس الحادّة لخارطتهم الجديدة جداً، بنزيف يشخب، عصياً على الانقطاع، وبدموع تهتن، ولا ترقأ. صفحة الاحتلال المخلِّص، وصفحة الحكومة الانتقالية المتحاصصة، وصفحة الدستور الملغوم، وصفحة الطائفية السياسية الراسخة، وصفحة الإرهاب البصير والأعمى.. نقلّب صفحات تلوَ صفحات من كتاب مآسينا الخالدة.. وفينا أمل أن نصل إلى الغلاف الأخير.. صفحات غريبة عجيبة، يختلّ فيها المنطق، وتنحرف فيها الأعراف، وتنتهك القيم، وتسقط المبادئ، وترتبك المقاييس عاجزة عن التفسير والتحليل، وتفشل التوقعات، وتخيب الآمال.. لنجد جنّتنا المنتظرة جحيماً يلتهم الجميع دون استثناء، وهل من مزيد!!
الشخصنة، وثقافة الواحدية، واعتناق المظلومية الأبدية، وصدمة الديمقراطية، ونار الطائفية، وهزائم ازدواجيتنا العريقة.. كانت أصابعنا المجذومة تجوس الصفحات، التي بدا لنا أنها لن تُختَم أبداً.. وهي المهيمنات على سلوكنا، وهي الأنساق المقتدرة على التحكم بنا، في خضمّ وضع جديد غريب يعيشه العراقيون، لم يكونوا قد عرفوه يوماً، على الرغم من تجذّرهم في أعماق الوجود البشري.
وهذه تظاهرات الغربية إنموذجاً كامل المواصفات، ينطق بأصابع الداء العراقي، تقلّب مواجع الصفحات، وهي تتلظى تحتها وفوقها، لتشتعل وتكاد تشعل ما بين أيديها وما خلفها، فلا تُبقي ولا تذر، رعناء، عمياء، تحطب غثّاً وسميناً، ويختلط حابلها بنابلها، وحقها بباطلها.
بدأت مشخصِنةً الحق والحقوق بفرد، يختصر الجماعة متلبساً بمظلومية فئوية سنّيّة، استبدت بها أيدٍ من فئة أخرى، شيعية عابثة، طبعاً مرتبطة تاريخياً بإيران الطامعة! وبناءً على الحق الديمقراطي الدستوري المشروع بالتظاهر، يُلعَن الدستور، وتهان صناديق الاقتراع التي أنتجت طاغية جديد مثل المالكي!! ودعماً لوحدة الشعب العراقي بكل أطيافه وفئاته، يُسَبّ الشيعة على رؤوس الأشهاد، ويتّهمون بالصفوية والفارسية والعمالة للأجنبي!! ثمّ تذيل الخطب ويطلع علينا الناطقون باسم المتظاهرين بأن ( أنفسنا ) السنّة ليسوا طائفيين!! وأن التظاهرات ضد الطائفية!! وبعد هذا وذاك، يخرج علينا عقلاء القوم وحكماؤهم ليقولوا: لسنا كما رأيتم وسمعتم، بل نحن أنقى وأطهر، وأوعى وأثقف، نحن أظرف وألطف وأنظف مما فعله السفهاء منا.. اللهم لاتواخذنا بما فعل السفهاء منا.. إن هم إلاّ عصبة مندسة، تريد تحويل مسار المطالبات المشروعة جداً، إن هم إلاّ جماعة يُعدّون على الأصابع، تحاول النفخ في رماد الفتنة المنطفئة جداً!! إن هم إلاّ سياسيون يصطادون في مياه العراقيين العكرة…