كنت جالسا أحتسي القهوة قبل الشروع بتحرير اﻷخبار واذا بأحدهم ينقل لي خبرا مفاده أن قطار البصرة وبعد أن صدم قطيع أغنام قدرا توقف عن العمل ﻷنه صار اﻵن “مطلوب عشائريا ” !!
وإذا بشخص آخر يرسل لي خبرا على الواتس آب ، خلاصته ان إمرأة حامل منعت من دخول صالة العمليات بمستشفى “المجر الكبير” للولادة وهي في حالة حرجة بسبب خلاف قديم بين زوج الطبيبة الخفر وأهل الحامل ، ما إضطرها للولادة في ممر المستشفى – على الكاشي – بمساعدة بعض المرافقات لبقية النساء الحوامل داخل الردهات وبعض الممرضات …!!
لم أستفق من الصدمتين – المبكيتين المضحكتين – وشر البلية ما يضحك حتى وصلني خبر ثالث على الفايبر يتحدث عن هروب خمسة مساجين بتهم جنائية مختلفة من مركز (الكرار )في النجف عبر ثقب أحدثوه بجدار الحمام ، ما جعلني أتأمل كثيرا في الثقب الظاهر في الصورة وأنا أرتشف القهوة مستذكرا ” فيلم الخلاص من شاوشانك ” و” الفراشة ” و ” الهروب من الكتراز ” و رواية “الكونت دي مونت كريستو”! وفعلا كما سبق أن طرحته بمقال ، إن العراق بات الملهم رقم واحد للسيناريوهات والخيال – الزامبي – وﻻ أقول العلمي ﻷن أكبر عالم – دماغه يجبن – من تسارع اﻷحداث وتكالب اﻷمم وتلاحق الفتن وبلا هوادة هاهنا في بلاد الرافدين !
ليأتي الخبر الصاعقة متمثلا بإدراج العراق في (المركز 74 عالميًّا ) ضمن مؤشر الجوع العالمي لعام 2018،الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) …أيعقل أن نجووووع في عراق النفط ؟! الجواب : بوجود اﻷشرار والكوميديانات السياسية ، نعم ، بل ونعرى ونظمأ ونشقى ونشرد ونهجر ونهاجر ونقتل ونسرق ونخطف أيضا !
لتختتم النشرة بتحذير مفوضية حقوق الإنسان من خطر ضعاف النفوس المتاجرين بالبشر ممن يحاولون سرقة اﻷطفال من مستشفيات الولادة أو إستبدالهم مع دعوتها للجهات المختصة لتأمين الحماية الكافية وتشديد إجراءاتها على مستشفيات الولادة تجنبا للسرقات البشرية !
الحقيقة لقد إستفزتني هذه اﻷخبار كثيرا حتى شربت دلة القهوة كلها ولم أترك شيئا لزملائي ﻷن هذا العراق الذي كان كبيرا جدا وغصبا على شارب أكبر ممثل سياسي ، قد أصبح لايذكر في النشرات الإخبارية العربية والدولية إلا من نافذتين – نافذة السخرية ونافذة العاجل والفساد والدم – هذا البلد الكبير يوم أن كانت الإذاعة العراقية ، التلفزيون العراقي ، المسرح العراقي ، السينما العراقية ،الدراما العراقية ، التشكيل العراقي ، المجمع العلمي العراقي رقم 2 وأحيانا رقم واحد بالتناوب مع نظيراتها المصرية ، هذا العراق الذي كنا نستخدم فيه الهواتف العمومية في كل مكان ، ونعبر من خطوط العبور ، ونلتزم كليا – تصووور – بإشارات وتعليمات المرور ، ونستخدم السلالم الكهربائية في ساحتي التحرير والعلاوي وكنا نسافر كل صيف الى أوربا الشرقية أو الغربية على متن الخطوط الجوية العراقية الى مختلف بقاع العالم من دون تسجيل أية حادثة تذكر ، هذا العراق الذي كانت صناعاته الوطنية تضاهي اﻷجنبية – يا تركية يا ايرانية ياسعودية يا بطيخ – ، هذا العراق الذي قضى على اﻷمية اﻷبجدية بإمتياز بشهادة اليونسكو..هذا العراق الذي كان أطباؤه ، مهندسوه ، اكاديميوه يشهد لهم القاصي والداني بالكفاءة والخبرة ..هذا العراق الذي حقق أمنه الزراعي والإقتصادي كاملا وأخذ يبني القرى العصرية للفلاحين ..هذا العراق الذي كان ديناره = 3.250$ ، وجوازه يسمح لحامله بالسفر الى معظم دول العالم ،ومستشفياته وجامعاته وفنادقه ومدارسه ومصائفه وسياحته وآثاره على أفضل ما يرام .. تاليها قطار البصرة الصيني البطيء ” مطلوب عشائريا ” من وره كم طلي ؟! وسفة و1000يا حيف!
قبل أيام نعت اﻷوساط الفنية وفاة الفنان ، جميل راتب ” الملقب بـ” الشرير اﻷنيق “عن 91 عاما بفعل مرض عضال لم يمهله طويلا ،وإن كنت ﻻ أحب تمثيله كونه – يعصر – ويصك على أسنانه أكثر من اللزوم وكأنه يعاني من الإمساك المزمن في جميع أدواره على الشاشتين الصغيرة والكبيرة رحمه الله وهذه وجهة نظري الشخصية في فن راتب كي لايخرج علينا معترضا من يقول ، اتنتقد قامة من قامات السينما العربية والفرنسية – وما ادري ايش- كجميل راتب ، وأقول نعم أنتقد وأنا وفي بعض اﻷحيان كالحطيئة إن استلزم اﻷمر أهجو حتى نفسي ومن حولي وﻻ أبالي ما يجعلني متحررا كليا في قول الحقيقة وﻻ أزعم قول الحق !!
اﻻ إن وفاة جميل راتب وللأمانة جعلتني أتعمق في سيرة أشهر أشرار السينما والتلفزيون العربي وأنا متابع لمسيرة أكثرهم وأعلم يقينا أن جلهم كانوا من أطيب الناس وأبعدهم عن الشر في حياتهم الشخصية ، بدءا بتوفيق الدقن مرورا بمحمود المليجي ، عادل أدهم ، زكي رستم ، صلاح منصور ، عبد الغني قمر ، عباس فارس وليس إنتهاء براتب ” وتحليلي للمسألة سايكولوجيا هي أنهم كنظرائهم من – الكوميديانات – المشاهير كانوا من أتعس الناس وأشدهم حزنا في الواقع وأشهرهم في ذلك نجيب الريحاني الذي كان ينام في الحدائق العامة لشدة فقره قبل شهرته ، واسماعيل ياسين الذي كان ينام في المساجد بعد طرده من منزل جدته قبل غناه ومن ثم فقره أواخر حياته مجددا مرورا بالعشرات منهم ومن يقرأ سير الممثلين الكوميديين ممن أضحكوه طويلا لايمتلك إلا أن يرثي لحالهم في بداياتهم ونهاياتهم ، أقول تحليلي هو أن الفنان الطيب عندما يلعب دور الشرير ويجيده فإنما يريد أن ينتقم منه ، ويشوه صورته أمام الجمهور والى أبعد الحدود لكونه يكرهه واقعا ،ولكثرة ما تابع الفنان الطيب ظلم – الشرير – وعانى منه في حياته الإجتماعية والمهنية فإنه يحفظ عن ظهر قلب كل أحابيله وحيله وتعابير وجهه ومفرداته ما يجعله يقدم دورا متميزا جدا عن الشر واﻷشرار يتفوق فيه على الشرير ذاته فيما لو طلب منه أداء نفس الدور في السينما او التلفزيون، الممثل الكوميدي بدوره يقدم وصلة ضاحكة للجمهور غير متوفرة لديه في حياته وهو أشبه بطفل يبيع الحلوى الى الناس وهو ﻻيمتلك ثمنها ليتذوقها ، وقد جاءني أحدهم يوما وقال لي وهو يحمل 10 قطع نستلة لبيعها ( عمو ..اشتريلي وحدة !!!) .
كل ذلك بخلاف الشرير والكوميديان السياسي الذي يجيد التمثيل والتقلب بدرجة 180 بحسب المنافع والمصالح فهذا المخلوق صالح وطيب القلب فيما يطرحه على الجمهور من – كلاوات – ووطنيات من خلال الشاشات وفي الخطابات والمؤتمرات والشعارات الحزبية فقط ﻻغير ، فيما هو شرير بطبعه وخسيس بطباعه و بما يقوم به ضدهم ومصالحهم من خلف الكواليس ، إنه ممثل على الشعب وليس ممثلا له في اﻷعم اﻷغلب – حتى لانعمم ﻷن في التعميم ظلم وتعتيم – إنه ممثل تراجيدي يبكي الجمهور على مأساته ليضحك عليهم في داخله تارة ،وممثل كوميدي يضحك الجمهور على خصومه ويفضحهم ليبتز الاثنين معا – الجمهور والخصوم – تارة أخرى ، بخلاف الكوميديان الفنان الذي يضحكهم وهو يبكي في داخله على حاله ووطنه ومجتمعه وعليهم، وبخلاف الفنان الشرير سينمائيا ، الطيب إجتماعيا ممن يريد ان يزرع في عقل الجمهور الجمعي وقلوبهم كراهية الشر ونبذه وشخوصه في كل زمان ومكان ليحذروه ويكافحوه ويقتلعوه من جذورهم قب أن يستفحل ، وعلى قول الشرير السينمائي صلاح منصور، في أحد أشهر افيهاته “قل للمأمور دكر البط ده مدبوح لسيادتك.. خصوووصي” لتأتي مكملة ﻷفيه “روح يا شيخ الله يعمر بيتك” لزكي رستم ، وكلا اﻷفيهين الشهيرين يصدق على أشرار السينما – الطيبين – وعلى طيبي السياسة اﻷشرار وووو” أحلى من الشرف مفيش ” على قول توفيق الدقن . اودعناكم اغاتي