أسوأ المعارف التي قد نعرفها هي تلك الأخبار والمعلومات والعلوم التي لا نقدر على العمل بها او تطبيقها، أو فعل أي شيء من خلالها، أو التقدم والترقي بمعرفتها. هي تلك الأخبار التي لا نستطيع أن نأخذ موقف منها، ولا عبرة لتجنب ما تلحقها، ولا إنتاج ردة فعل مفيد ضدها. هي تلك المعلومات التي لا تتغير بها الفرد – لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا حتى فكرياً. سواء علمتها أم جهلتها تبقى نفس الإنسان بمعرفتها، فهي عديمة المنفعة.
وما أكثر تلك المعارف في حياتنا؛ أراء غالبية الناس عن طريقة عيشنا وخياراتنا، أخبار التي لا نهتم بها سوى لتلبية فضولنا، علوم التي لا تزيد من خبرتنا، فنون التي لا تفتح زوايا جديدة لحواسنا، معلومات التي لا تضيف إلى ثرواتنا. جميعها معارف شاغلة للذهن, شاردة للعقل, هادرة للوقت.
مثلهم مثل معرفة وقت موتك دون أن تستطيع أن تفعل أي شيء لتغييره، فهذه المعرفة ربما قد زاد من ألم موتك دون فائدة. لا حاجة لنا لمعرفة متى نموت وكيف نموت إن كان من المقدر لنا الموت في ذلك الزمن وبتلك الطريقة. إذا لم أقدر أن أغير شيئاً بذلك المعرفة، فلماذا أسعى لمعرفتها. ربما قد يكون الجهل نعمة هنا (فهو ساعدني في الموت من دون خوف ولا حزن). معرفة أقدار المُحتمة لا تعطينا صلاحية لتغيير مسارها، الأحداث المؤلمة التي هي من المؤكد حدوثها يفضل جهل بأخبارها – ردة فعل الزائدة من قبلنا بسبب معرفة وقوعها قد تجهد أجسادنا وأدمغتنا وتتعب الأقرباء حولنا من دون منفعة.
كذلك الأخذ بأراء الناس في مواضيعٍ ليسوا بأهلها. ما يقولونه يمكن أن تُضرب في عرض الحائط؛ فهو قد يحتمل الصواب والخطأ، وفيه بحرٌ من الشكوك، وهو أسوأ حتى من القلق من المجهول. لا يمكنك أن تأخذ علماً من الرسام، ولا يفيدك رأي الحداد بشأن شراء السيارة، وربما الشخص الذي ينتقد ملابسك قد لا يكون أهلاً لإنتقادها حتى.
وكذلك معرفة العلوم التي لا تنفع صاحبها في عمله ولا ترقي تفكيره. مثل محاولة تعلم لغة غريبة أجنبية التي تكون الناطقين بها بعيد عن المتعلم. لا صلة لتلك العلم بواقع حال الفرد ولا تفيده في عمله ولا في حديثه ولا في طريقة تحليله وتفكيره. ما يحاول هؤلاء فعله هو زيادة من رتبتهم الاجتماعية وتعلية أنفسهم فوق الآخرين، لكن من دون جدوى، لإن المقابل يعلم إنه علمٌ زائد بلا فائدة. وبعض الأحيان قد ينتج نتائج عكسية منه ويجعل مكانته دنيئاً في المجتمع لإضاعة وقته وجهده. وأيضاً في الفنون, هناك عديد من المعارف الفارغة، وهي التي لا متعة فيها ولا تسلية، ولا هي تلمس أحاسيسنا بصورة جديدة. فنون مثل فن مراقبة الطيور، ومهارة تحريك الأذنين، وفن موازنة الأشياء، وغيرها من الفنون السخيفة التي تشغل عقول الناس وتأخذ منهم سنين لإجادتها.
بالطبع لا يمكننا اجتناب تلك المعارف بأكملها، فهي تأتي على هيئة موجات تأخذ عقول الناس وتشغلها حتى يغرق المجتمع فيها، وينشغل بها الأفراد حولنا، ثم تصبح مركز انتباهنا. فمثل تلك أمواج لا تقدر على اجتنابها، حتى وإن اجتنبت اعظم ضرباتها، فلن تسلم من أصغر قطراتها. لكن يمكنك محاولة ردعها عندك، وعدم السعي وراءها، ونسيان ما سبق أن تعلمت من علومها وبما تفننت من فنونها، ومن ثم حث الناس على تركها، والتوقف عن نقل أخبارها.
لذا، عليك ترك تلك المعارف والعيش خفيف عقل، صافي البال، وثري الزمان.