18 ديسمبر، 2024 6:22 م

أسلحة فساد شامل لنهب العراق

أسلحة فساد شامل لنهب العراق

مرت قبل أيام ذكرى مناقشة الكونغرس الأمريكي وتفويضه الرئيس جورج بوش لاستخدام القوة في العراق واسقاط نظام الرئيس صدام حسين بتهم مظللة بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل وإنتاجها ، ساقها في خطاب له امام الجمعية العامة للأمم المتحدة مدعيا ان بلاده تريد تخليص العالم من هذا النظام الذي لا يحترم قرارات مجلس الامن في حين ان الأمم المتحدة رفضت غزو العراق واعتبرته غير شرعي وكذلك فعل عدد كبير من دول العالم ومع ذلك فأن من لم يحترم قرارات الشرعية الدولية ومن شن الغزو بصورة غير شرعية هي الولايات المتحدة وهو الرئيس بوش الذي يتهم الاخرين بعدم احترامها، ويكيل التهم ويختلق شتى الحجج والاكاذيب لتكون مبررا للحروب والتدخلات فقامت إدارة بوش بغزو العراق وتدميره ، لكن بوش لم يكتف بهذه السلسلة من الأكاذيب بل انه ساق أخرى بعد كذبة أسلحة الدمار الشامل التي استقال بسببها وزير الدفاع السابق كولن باول ،اذ ان جوقة المحافظين الجدد مهندسي هذا الغزو اسعفته بتهم جديدة ناصحة إياه بالكلام عن علاقة العراق والرئيس صدام حسين بتنظيم القاعدة مستغلة ضجيج الاعلام الأمريكي والاطلسي حول حادثة تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك عام 2001 وذلك لخلط الأوراق خاصة امام الرأي العام الأمريكي ومن ثم العالمي.
لكن أكاذيب الإدارة الامريكية لم تنقطع رغم انكشافها امام العالم والراي العام العالمي بل استمرت بعد فشلها في العثور على أسلحة الدمار الشامل في نفس نهجها ووجدت كذبة أخرى تسوقها للعالم وهي انها قد جلبت الديمقراطية للعراق وارست للعراقيين عملية سياسية غريبة ووضعت لهم دستورا وسلمت السلطة للجماعات التي تدعي انها تعاني من المظلومية منذ 1400 عاما وقسمت العراقيين دينيا وعرقيا فأعطت لأكراد العراق وضعا ملتبسا فيه “حكم ذاتي” ولهم إضافة الي ذلك رئاسة العراق؟ لا بد للمرء ان يتساءل أي نوع من الديمقراطية هذه التي أتت بها الولايات المتحدة؟
تصادف ذكرى مناقشة الكونغرس الأمريكي قانون تحرير العراق وسلسلة اكاذيبه التي كانت سببا لتدمير العراق وقتل وتهجير الملايين من أبنائه داخل وخارج العراق واسقاط دولته وسيادته مع اختيار رئيس الجمهورية وتسمية مرشح لرئاسة الوزراء لتكون اذا ما صوت عليها الحكومة السابعة في عملية الاحتلال السياسية منذ عشرين عاما.
عام بالضبط مر على الانتخابات عطلت فيها حياة العراقيين واشغالهم واعمالهم ومرافق الدولة لكي تسمح وكيلة الاحتلال الأمريكي أخيرا بعقد جلسة برلمانية تدعو لانتخاب الرئيس بعد صفقة مقايضة وفساد لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالدستور تمت بين الوكلاء الصغار عراقيين يتنافسون على الهيمنة على نفط شمال العراق وغازه ولبنانيون رسموا الحدود وتبرعوا بحقل كاربيش مع دولة الاحتلال من جهة وبين الوكلاء الكبار من جهة أخرى، كسابقاتها في بورصة الاحتلال الأمريكي ووكيلة الإيراني.
لم تؤسس الولايات المتحدة ديمقراطية سياسية في العراق بل انها هي من جلبت له أسلحة الدمار الشامل التي ادعت وجودها في العراق لتلويثه، لقد جلبت الفساد الذي استشرى وأصبح ينهش كل شيء ويعدي كل مجال من مجالات الحياة في العراق من أصغر التعاملات الي اكبرها. لقد شاهد العراقيون فعالية هذا السلاح الذي يستهدف تدمير العراق وتفتيته بالتقسيم وبيعه بالجملة والمفرق، سلاح فعال يسري في جسد العراق مثل سرطان متسارع الانتشار. لقد أسست الولايات المتحدة عمدا ومع سبق الإصرار لنظام فاسد للسلطة والامتيازات مقابل حصولها على ثروات العراق تحت الأرض أي النفط والغاز ووقعت وفقا لذلك المعاهدة الأمنية الاستراتيجية مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عام 2008 ليكون العراق تحت سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة كليا. وبينما هرعت السفيرة الامريكية في العراق لمقابلة محمد شياع السوداني المكلف القادم برئاسة الوزراء لتهنئته وتذكيره بالمعاهدة الاستراتيجية الموقعة بين بلدها والعراق وضرورة احترام بنودها، أي الكف عن المطالبة بإخراج القوات الامريكية من العراق ، ضرب الفساد من جديد ضربة تاريخية في الخزينة العراقية والمال العام بفضيحة سرقة 2,5 مليار دولار وبحسب خبير مالي عراقي فأن المبالغ المسروقة هي أكبر من هذا المبلغ , هذه المبالغ هي عبارة عن تأمينات لشركات واشخاص في الهيئة العامة للضرائب، ويعادل ما تم سرقته من أموال ب 6% من قيمة العملة المتداولة في البلد ، تمت سرقتها على مراحل بدأت منذ عام وتم التهيئة لها بمنع ديوان الرقابة من تدقيق تحويل الأموال من قبل الهيئة المالية للبرلمان نفسها التي لا يحق لها أصلا التصرف بهذه الطريقة لان ديوان الرقابة المالية هيئة مستقلة لا يمكن لاي جهة منعها من أداء دورها ما يعني ان تنسيق هذه العملية قد جاء من جهات متنفذة كبيرة في اعلى المستويات. لقد سحبت الأموال المسروقة بوصولات مزورة وتم تحميل الاموال بعجلات على مراحل مختلفة وبصكوك متعددة، والغريب ان هذه السرقة الكبيرة مرت بشكل طبيعي في بنك الرافدين الرسمي المسحوبة منه كل هذه الأموال الطائلة ولم يسترع ذلك انتباه الهيئة الرقابية فيه وعلى الاغلب فهناك أوامر بالتنفيذ وتواطىء؟ هذه السرقات التي تتم بالتواطئ مع الأحزاب وشخصيات العملية السياسية تبيض منذ فترة بشراء العقارات في المناطق الراقية في العاصمة مثل المنصور والجادرية بأسعار أكبر من قيمتها أدى الى ارتفاع أسعار العقارات بشكل غير معقول في العاصمة لا يوجد مثيلا له حتى في عواصم الغرب من لندن وباريس ونيويورك ومن ثم يتم اعادة بيعها لاسترجاعها مضاعفة. للمرة الالف تنشر هذه السرقات الخيالية على الملأ وتحدث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاعلام لكن ليس هناك اي جهة جدية قضائية او امنية تتحمل معالجة هذه الجرائم التي تمس الامن الوطني والاقتصاد العراقي وتلاحق الجناة والسراق وتعيد أموال الدولة والمال العام وتطبق القانون على الجناة. بل حتى لو ان القضاء قد فتح فيها ملفا فأن كل المختصين المحايدين يتفقون على ان الأموال قد تم تهريبها كما هربت سابقا ميزانيات عراقية كاملة نشر تفاصيلها قبل أيام معهد شاتام البريطاني للأعمال الذي نشر اختفاء 551 تريليون دولار في ميزانية العراق بين اعوام 2006-2014 ، وسيغلق ملف هذه قريبا.
بهذا الفساد المسكوت عنه الذي أسس له الاحتلال الأمريكي ووكيله الإيراني خلقت الولايات المتحدة طبقة سياسية خاضعة مرتبطة بها ارتباطا لا فكاك منه لنهب أموال العراق وتدوير الدولار النفطي واعادته الى البنوك والخزانة الامريكية التي تأوي تريليونات ضخمة من الأموال العراقية لدعم الاقتصاد الأمريكي وشركاته وبنوكه بينما يتصاعد خط الفقر في العراق الى اكثر من خمسين بالمائة ولا يجد المواطن العراقي ابسط الخدمات لعيش صالح وكريم. بل ان الولايات المتحدة تشجع وتساهم في سيطرة وسرقة الميليشيات النفط وخاصة في البصرة ومدن جنوبية أخرى لتثبيت هيمنة افراد على النفط بدل الحكومة او وزارة نفط او أي هيئة حكومية أخرى لشرائه بمبالغ زهيدة منهم وإرساء ذلك عرفا في اهم بلد نفطي هو الاحتياطي الثاني للنفط في العالم. ان مصالح الاحتلال الأمريكي في العراق هي في استمرار وديمومة الفساد حكوميا وميليشياويا اذ ان هذه المليشيات ستستمر في محاربة أي احتجاج وثورة عراقية من اجل التحرر والتخلص من عملية الاحتلال السياسية لتدافع عن سرقاتها وفسادها كما فعلت في قمع ثورة تشرين وهي اليوم تقف بالمرصاد لمثل هذا التوجه الشعبي اذ لم يقتصر الاغتيال وملاحقة الناشطين على حكومة رئيس الوزراء المقال عادل عبد المهدي بل ان الكاظمي لاحق واغتال بصمت شباب تشرين وسيقوم رئيس الوزراء المقبل بنفس الاعمال لأنهاء المطالبات المشروعة لشعبنا العراقي الذي لن يتخلى ابدا عن المطالبة بها فما تزال النار تحت الرماد وما يزال شباب العراق يطالب باسترجاع العراق.